x

مي عزام بابا أمين و«جوي».. صندوق الدنيا (1) مي عزام الأحد 31-01-2016 22:25


أن تبدأ مقالاً ليس دائما بالشيء الهين، أمامك عشرات الموضوعات المهمة التي تريد أن تكتب عنها، ومئات الأخبار التي تريد أن تعلق عليها، ثم يبدأ عقلك في التصفية، ومن الممكن أن تكتب في النهاية عن موضوع لم يكن في طابور الموضوعات المقترحة، كما حدث معى في هذا المقال، بالصدفة أرسل لى المهندس خالد زهير (يعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات) مقدمة كتاب يعرض فيه أفكار مبتكرة عن حلول لأزمات مصر المزمنة للمناقشة حوله، في هذه المقدمة المختصرة قدم خالد حلا مبتكرا لمشكلة المرور، واقترح «وزارة أهداف» لها دور محدد تسعى لإنجازه، وأعطى تصور لكيف يمكن للسياحة أن تحقق دخلا بعد خمس سنوات يصل إلى 5 مليارات دولار سنويا.

وضع خالد شروطا لتحقيق هذه الأفكار وهى أن تتسم إدارة الدولة بالشفافية وحسن اختيار الكوادر ..الخ. بعد أن انتهيت من القراءة تواصلت معه لمناقشته حول ما جاء في المقدمة وسألته: حسب رؤيتك الإصلاح يبدأ من فوق... من الدولة، ماذا لو لم تفعل الدولة؟ ماذا لو كانت الدولة غير راغبة في إصلاح أو غير مؤهلة له؟ هل يمكن طرح أفكار تطور أداء الأفراد والشركات والمنظمات، وتمكنهم من النجاح بوسائل لا تتقاطع مع مسار الدولة، ويكون موازيا لها؟ انتهى نقاشنا بوعد منه بالتفكير في ذلك، ومعاودة طرح أفكاره على الورق.

*********

منذ عهد الفراعنة لم ينبهر الشعب المصرى باختراع قدر انبهاره بجهاز الكفتة، الذي كان سيغير مستقبل الطب في العالم، الاختراع مزيف لكن الحلم حقيقي، جميعنا نتمنى جهازا يمكنه أن يمتص المرض من المريض ليعود صحيحا معافى، فكرة تبدو خيالية ولكن بالتأكيد أنها ستتحقق يوما عن طريق البحث العلمى الحقيقى وليس الشعوذة والفهلوة.

اختراعات كثيرة كنا نعتبرها ضربا من الخيال تحققت في عمرنا القصير، الطباعة ثلاثية الأبعاد وطاقية الإخفاء التي أعلنت روسيا وكوريا الشمالية عنها، الدولتان توصلتا لطلاء يخفى الأشياء عن العيون، في البداية سينفذ الاختراع في الأعمال العسكرية والمخابراتية (كما حدث مع الشبكة العنكبوتية )، وفى النهاية ستنتجه الصين ليباع على الأرصفة ويستخدمه الصغار في أعياد الميلاد، وبعده سيتم اختراع طلاء آخر يكشفه، وهكذا يكون التجديد والإبداع الفكرى الإنسانى، ولكننا مازلنا عالقين في مفهوم واحد للتجديد، وهو الفكر الدينى الذي يؤرق منامنا.

*********

رغم أن العرب يظنون أنهم الأولى بالإسلام، لأن القرآن نزل بلسانهم، لم يدفعهم ذلك للتفكير في ابتكار أدوات عصرية تفيدهم في أداء عبادتهم ومناسكهم، الصين كتر خيرها فكرت بالنيابة عنا كيف تريح المسلم في صلاته وتسبيحه وحجه وتفرح أطفاله بفوانيس رمضان تلائم زمن حرب النجوم.

نكتفى بالتهافت على شراء كل صرعة جديدة في الأسواق ولا نتوقف لنسأل (للعلم فقط ) عن مبتكرها وكيف طورها؟ ولماذا لم نفكر فيها من قبل وكنا أولى بها من غيرنا؟.

نحن شعب «يا مين يجيب لى حبيبى»، ننتظر عمر بن الخطاب ليحكم بالعدل ويقضى على الفساد، فليس لدينا تصور كيف يمكن أن نطبق العدل فيما بيننا؟ لأننا في الحقيقة مشغولين بالبحث عن استثناء نتعالى به على الآخرين، وفى ذات الوقت نردد شعارات المساواة والعدل دون خجل.

********

أبحث عن استثناء، ريما يأتينى في خبر يعطينى ذرة أمل، في برنامج «360 القاهرة»، استضاف أسامة كمال ثلاثة شبان، مهندسان: فتحى الجندى وأحمد شحاتة (هندسة الأزهر ) وأميرة شوقى كلية اقتصاد، انشأوا تطبيقا جديدا يتم تحميله على الهواتف الذكية لمساعدة رواد معرض الكتاب في الوصول إلى الكتاب الذي يبحثون عنه بسهولة ويسر، لم أُحمل التطبيق ولم أجربه، ولست من المتخصصين الذين يمكنهم الحكم على أهمية التطبيق وريادته، ومدى سهولة التعامل به وعيوبه، ولكن الحديث عنه هو الذي أسعدنى، مثل هذه الموضوعات الإيجابية تخرج بنا من حيز الموضوعات التي قتلناها استهلاكا حتى أصبحت كممسحة تآكلت وبرتها وأصبحت عديمة النفع، فلا هى تنظف ولاهى تجفف المياه ... تتركنا غارقين في وحل أدعياء الطهارة الغارقون في القذارة.

********

أنا لا أستحى أن أضرب مثلا بممسحة، لا تفكر باستهانة في الممسحة والمكنسة، وتصور حياتك بدونهما، المكنسة تمسح عن الأرض تراب شوارع مصر الذي يصل إلينا ونوافذنا مغلقة شيش وزجاج.

المكنسة ليست مجرد سلعة ولكنها صناعة وتسوق وإعلان، فهى سلعة لا يخلو منها بيت فقير ولا غنى، فكر في تطورها التاريخى وكيف بدأت مثل كل الاختراعات في بيوت الحكام والأثرياء حتى وصلت ليد أم محمد (سيدة ريفية أصيلة أعرفها) في قرية الحى والمنشى التابعة لغمازة مركز الصف محافظة الجيزة، والتى مازالت تصر على استخدام المكنسة المصنوعة من ليف النخيل، رافضة تلك المصنوعة من البلاستيك والتى يعلن عنها.

********

الإعلان يلازم المنتج وربما يسبقه في الأهمية، ألم يبدأ عادل إمام حملة للترويج للفنكوش وهو لا يملكه، بدون إعلان جيد لن تجد لسلعتك رواجا، وهو ما أدركته جوى (جينفر لورانس) وهى تعلن بنفسها عن ممسحة من اختراعها عبر شاشة التليفزيون.. مكنسة جوى وصلتها للثروة، ووصلت جينيفر لورانس للترشح للأوسكار (أحسن ممثلة) ووصلتنى للتفكير في مدى تأثير صندوق الدنيا.

(صورة لجينفر لورانس من فيلم «جوى» المرشحة عنه لأوسكار أحسن ممثلة، وفى يدها الممسحة التي اخترعتها).

آلاف الابتكارات التي تجعل حياتنا أسهل وتجعل حياة مبتكريها أجمل.... ما كنا لنعرفها بهذه السرعة وهذا الانتشار لولا هذا الصندوق العجيب.

الحديث متواصل عن صندوق الدنيا وجميلة هوليوود جينيفر لورانس وأشياء أخرى .

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية