x

رامي جلال كيف تكتب مقالاً «مالوش لزمة» رامي جلال الثلاثاء 11-08-2015 21:15


هناك صحف فى مصر يُعد الكُتاب فيها بالمئات (بجد). وهذا الإغراق يعوق لمعان المميز، فى ظل عشرات المقالات التى بلا لزوم، فكيف تُكتب تلك المقالات؟

هناك نوعية من المقالات تسمى «الرايجة الكدابة» وهى التى يتفهم كاتبها اتجاهات مواقع التواصل الاجتماعى فيسبح مع التيار ليصفق له البعض. وهناك نوع آخر اسمه مقالات «يا حلاوتك يا جمالك» وهى التى تختص مسؤولا أو مؤسسة بوصلة غزل صريح وغراميات وشوقيات للكبار فقط. ونوع ثالث اسمه «جرحونى وقفلوا الأجزاخانات» وهو الذى يحكى فيه الكاتب عن مشكلة حدثت له أو خناقة قام بها مع أحدهم دون أى ربط للخاص بالعام.

وهناك مقالات «عميقة جداً» يستخدم كاتبها مجموعة مصطلحات معقدة من معارف متعددة ويبدأ فى تركيبها معاً فى عملية تقنية قد يقوم بها أى طفل يحب لعبة «الميكانو»، وستفاجأ إذا حاولت إعادة صياغة المكتوب إلى لغة طبيعية بأنه كمكعب الثلج الصغير تحت شمس أغسطس الحارقة.

بعض المقالات عبارة عن وصلات ردح أو كلام حماسى إنشائى إذا قمت بتكريره ولو عشر مرات لن تجد فيه معلومة واحدة عن أى شىء. وهناك مقالات أخرى تكتبها طائفة تسمى «الموحدون»، وهو تصنيف لا علاقة له بالدين بالنسبة لهم بل بطلوعه بالنسبة للقارئ؛ هؤلاء يوحدون بين الأشياء ولا يفهمون حداً فاصلاً بين الدولة والنظام أو التأييد والتهليل، السطحية عندهم متعة والتفاهة رياضة.

وهناك من الكُتاب من يكتب المقال نفسه طوال عمره، ولكن ما يحدث هو إعادة تدوير له، كأن يقول: «كنا عظماء أيام الملكية»، وفى المقال التالى: «أيام الملكية كانت عظيمة»، وفى الثالث: «كم أنتِ عظيمة يا ملكية» وهكذا إلى أن يموت هو أو يتوب القارئ.

«المقال المتنكر»، هو قمة الإعجاز المقالى، لأنه ليس مقالاً لكنه «بيعمل نفسه» مقال ببراعة شديدة، فأنت لن تجد فيه فكرة جديدة أو معلومة طريفة أو أسلوبا رشيقا أو بيانا صحيحا أو وجهة نظر مميزة أو تحليلا منهجيا أو حتى تسلية ما. هو كائن حى له بداية ووسط ونهاية، ويفيد كثيراً فى ملء الصحف.

أن يحظى أى مقال «مالوش لزمة» برواج كبير، فهذا لا يجعل منه قيماً أو مفيداً بالضرورة، تماماً مثل أفلام السينما المصرية الآن فى مواسم الأعياد.. وإن كان هناك قارئ «عيان» بحكم الواقع الثقافى، فلا يجب أن يكون الكاتب «ميت»، لأن عليه أن يساعد القارئ ويأخذ بيده، أما علاقة العيان والميت فلن تقدم الكثير لهذا الوطن.

Twitter: @RamyGalal1985

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية