x

عبد المنعم سعيد شركة مساهمة مصرية! عبد المنعم سعيد الإثنين 10-08-2015 21:58


ذاع كثيرا طوال الأسبوع الماضى الخطاب التاريخى للرئيس جمال عبدالناصر الذى أعلن فيه تأميم «الشركة العالمية لقناة السويس البحرية» لكى تصبح «شركة مساهمة مصرية». لماذا تغير الأمر بعد ذلك ولم تصبح قناة السويس «شركة مساهمة» وإنما صارت «ملكية عامة»، أمر سوف يترك للمؤرخين. المؤكد أن تأميم القناة على هذه الشاكلة كان المقدمة لموجات من التأميم سرعان ما شملت الأغلبية فى الاقتصاد المصرى الذى صار عاما لا تعرف على وجه التحديد ما إذا كان مملوكا للدولة أو للشعب، ولكن الثابت أنه بات مملوكا للحكومة التى تأخد عائد ملكيتها، ومنها تنفق على الشعب. بعد فترة تراجع العائد، اللهم من قناة السويس، وتزايد الإنفاق، فكان عجز الموازنة العامة، ومن بعده الدين العام الداخلى والخارجى، وذلك هو الحال الذى نعيش فيه الآن.

ولكن الحل ربما يكون فيما انتواه عبدالناصر فى البداية، وأن يكون استخلاص قناة السويس من «الشركة العالمية» أن تنتهى إلى شركة مساهمة من المصريين. وعندما أراد الرئيس السيسى شق قناة موازية طلب من المواطنين «الاستثمار» فى القناة الجديدة بفائدة قدرها ١٢٪، فكان أن حصل فى ثمانية أيام على ٦٤ مليار جنيه بزيادة قدرها ٤ مليارات عما كان يسعى إليه. ورغم أن فكرة شهادة الاستثمار ليست متطابقة مع الشركة المساهمة، فإنها أيضا أكثر قربا منها فى تعبئة رأس المال من الشركة العامة التى كانت سوف تعتمد على التمويل الحكومى، الذى كان يعنى عمليا فى ظل الظروف الراهنة عدم إنجاز المشروع. لماذا إذن لا نعود إلى الفكرة «الناصرية» الأصلية فى أن تكون قناة السويس القديمة والجديدة شركة مساهمة للمصريين يكون فيها للشعب أسهم تربح، وقابلة للتوريث، ولديها القدرة على أن تكون ضامنا للاقتراض، وهكذا الحال مرتبط بفكرة الشركات المساهمة. الفكرة هكذا سوف تتناسب مع الوضع الجديد لقناة السويس التى لم تعد مجرد ممر مائى يجرى فيه تحصيل رسوم للعبور. فالمشروع كما هو متصور حتى الآن هو محور للصناعة والتجارة والخدمات، وغيرها أمور، بل إنه أصبح واردا تماما الآن أن يكون محورا للزراعة أيضا بعد بدء استخدام «سحارة قناة السويس» التى تمر فيها مياه النيل التى جرى تنقيتها من أسفل القناة من أجل استصلاح ٧٠ ألف فدان ثم ١٠٠ ألف فدان حتى نصل إلى القدر الممكن وهو ٤٢٠ ألف فدان.

الحلم يمكن أن يكون أكبر إذا ما جرى النظر لإقليم قناة السويس الذى لا يضم المجرى المائى فقط، وإنما كل منطقة خليج السويس بما فيها غربا العين السخنة وحتى الزعفرانة، وشرقا منطقة رأس سدر والطور حتى رأس محمد. هذا الإقليم التنموى إما تشمله شركة واحدة عملاقة، أو مجموعة من الشركات الكبيرة أيضا، والتى يمكن طرح أسهمها على الجمهور المصرى وربما العربى والدولى أيضا حسب الظروف الخاصة بكل شركة. هذه مسألة يحددها المتخصصون، ولكن، وبصراحة، وبدون هذه النظرة الطموحة لمستقبل القناة، فإنها لن تكون قادرة على تحقيق أهدافها. فبقدر ما حسم حفر القناة الجديدة مصير كافة المشروعات البديلة، فإن مصير القناة وحدها بات معلقا بمقدار النمو الاقتصادى العالمى ومن ورائه التجارة العالمية. فحتى نحقق الهدف المطلوب عام ٢٠٢٣ بتحقيق عائد يزيد على ١٣ مليار دولار، فـإن ذلك سوف يتطلب نموا عالميا قدره ٩٪ سنويا، بينما المعدل الحالى ٣.٤٪، وهو من الجائز حدوثه إذا ما دخل الاقتصاد العالمى دورة هائلة من النمو لم تحدث من قبل.

ولكن مثل ذلك لا ينبغى الاعتماد عليه بشكل مطلق، خاصة أن عدد السفن-٤٩- التى تمر فى القناة حاليا تقل بحوالى ٢٠٪ عما كانت عليه عام ٢٠٠٨. هنا يمكننا فهم لماذا يرتبط مشروع القناة الجديدة بمشروع المحور، أو حسب ما نقترح مشروع الإقليم الاستراتيجى الذى يمكن أن يمتد بطول البحر الأحمر، فساعتها فإنه على أرض مصر سوف يكون هناك ما يكفى لجذب سفن وتجارة وأنشطة اقتصادية ما لها عدد من مناطق أخرى من العالم إلى مصر. فإذا أردنا ذلك فإن «الشركة المساهمة المصرية» سوف تكون هى الوسيلة التى تنجز فى أوقات قياسية، وهى التى سوف تعطى عائدا للمصريين على أسهمهم، يكون فاتحة رخاء كبير، وساعتها سوف ينتقل المصريون من صيد سمك البلطى على نهر النيل إلى صيد أسماك القرش والحيتان فى البحر الأحمر!.

الشركة المساهمة المصرية لها جانبان: الأول فكر القطاع الخاص واقتصاد السوق الذى يجعل للشركة جمعية عمومية للمساهمين، ومجلس إدارة قابل للمحاسبة على الربح والخسارة، وإعادة الاستثمار، والتوسع والانكماش حسب أحوال السوق، والثانى أن أسهمها مملوكة «للمصريين»، ومن الممكن أن تملكها أيضا الدولة المصرية ممثلة بالحكومة من خلال ملكية أغلبية الأسهم أو ٥١٪ منها، ولكنها حتى فى هذه الحالة لا تهرب من القواعد العامة للشركات المساهمة التى تحكمها قوانين السوق وليس الأثقال الاجتماعية. وعندما جرى الانهيار الاقتصادى الكبير فى الولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠٠٨ وأوشكت شركة «جنرال موتورز» على الإفلاس تدخلت الحكومة الأمريكية ليس بتأميم الشركة، وإنما بشراء أسهمها، والعمل من خلال ذلك على إصلاحها، وبعد أن أخذت فى الانتعاش قامت الحكومة الأمريكية- التى لا تحل محل القطاع الخاص إلا فى ظروف اضطرارية- ببيع أسهمها محققة أرباحا طائلة. الفكرة ذاتها يمكن تطبيقها فى مصر حتى ولو قررت الحكومة أن تبقى على ملكيتها للأسهم لأسباب تخص الأمن القومى، أو التوازن فى السوق، ولكنها فى كل الأحوال سوف تكون خاضعة لقوانين وقواعد إدارة الشركات المساهمة.

المسألة هكذا يمكن تطبيقها على كثير من شركات القطاع العام، والهيئات العامة التى نريد إعادة هيكلتها مثل اتحاد الإذاعة والتليفزيون والصحف القومية وكل ما يسبب نزيفا للموازنة العامة حتى ولو حقق أرباحا فى عام من الأعوام نتيجة حسابات المصروفات والإيرادات دون حساب للقروض القائمة والديون المتراكمة كما هو ذائع الآن!. والثابت حتى الآن أنه ما لم تجنح الشركة العامة إلى استعارة بعض أساليب القطاع الخاص ومهاراته فى إدارة الثروة القومية، فإنها على الأرجح سوف تأخذ الطريق إلى الهاوية ومطالبة الحكومة بنجدتها. وآخر الأمثلة على ذلك ما اكتشفته عن طريق معلومات خاصة بمشروع فوسفات أبوطرطور الذى طالما ضرب به المثل فى فشل الإدارة العامة للشركات، فقد أصبح المشروع «شركة فوسفات مصر» (شركة مساهمة مصرية). ورغم أن الشركة لم تكتمل بعد فيها صفات الشركة المساهمة المطروحة فى أسواق المال، فإنها بعد سنوات طويلة من النزيف المستمر للخزانة العامة فإنها بدأت اعتبارا من عام ٢٠١٣ تقدم عائدا للخزانة العامة بدأ بما مقداره ٢١ مليون دولار، ثم ٣٢ مليون دولار عام ٢٠١٤، ثم ٢٠ مليون دولار عام ٢٠١٥. فى هذه الشركة المدمنة للخسارة جرت عملية «إعادة الهيكلة» وفقا لما أشرنا له فى مقال «الغش وإعادة الهيكلة»، أى حسب كتاب الرشادة فى إدارة الشركات التى يدخل فيها المال العام بحيث لا يكون عرضة للضياع نتيجة الإهمال وانعدام الخبرة وضعف المحاسبة والتقييم. فهل يمكن أن نعود مرة أخرى إلى فكر «شركة مساهمة مصرية» لإنقاذ المال العام وتنميته؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية