لم تكن وسائل التواصل الاجتماعى أو السوشيال ميديا ونجومها ممن لديهم عدد كبير من المتابعين، هى صانع ثورة 25 يناير، كما يحلو لوسائل الإعلام فى الغرب إشاعته، ولم تكن كذلك هى السبب فى نجاح ثورة 30 يونيو، كما يدَّعى البعض، بل كانت الثورتان من صنع الشعب، وبدون السوشيال ميديا أو بها كانتا ستحدثان بنفس الحشد ونفس التأثير.
كل ما ساهمت به السوشيال ميديا فى هذين الحدثين التاريخيين هو أنها عجَّلت من تأجيج حالة الغضب بافتعال أحداث صغيرة قد لا يلقى المواطن لها بالاً فى الظروف العادية، بقصد خلق موجات من السخط الافتراضى، ثم تسمح لها بالتراكم السريع حتى تتحول إلى حالة رفض عام لكل شىء، لدرجة يصبح معها الهدم مقارنة بالإصلاح هو الحل الأهون، وفى الهدم لا يفرق المعول أحياناً بين هدم نظام أو هدم وطن بأكمله.
وهذا ما حدث قبيل الثورتين، ومن حسن - أو ربما سوء - الحظ أن توافق ذلك الجهد الافتراضى مع غباء سياسى وأحداث اجتماعية أدت إلى نقل السخط الافتراضى عبر وسائل الإعلام التقليدية إلى غضب شعبى، وأبرز مثالين هما حادث خالد سعيد وتزوير الانتخابات البرلمانية قبل سقوط نظام مبارك مباشرةً، وأزمة البنزين وأحداث العنف فى الاتحادية قبل سقوط نظام الإخوان.
ويبدو أن ما يحدث على السوشيال ميديا المصرية هذه الأيام، خصوصاً الفيسبوك وتويتر، اللذين يستخدمهما أغلب المصريين، يعيد إلى الأذهان نفس المشاهد التى سبقت الثورتين، من حيث تصيد التصريحات لكبار المسؤولين واقتطاعها من سياقها ثم تضخيمها بما لا يليق وحجم المناسبة التى قيلت فيها، والتهكم على قرارات الحكومة وأدائها، ثم المطالبة بعزل الوزير الفلانى والمسؤول العلانى، وكأنه هو بشخصه هو المشكلة وليس أداء الوزارة بكل أجهزتها بالكامل، ومن ثم التصعيد للمطالبة بعزل رئيس الوزراء ثم رئيس الجمهورية نفسه، وكذلك تضخيم مشكلات اقتصادية نعانى منها منذ الأزل وإلصاقها بالحكومة الحالية التى لم تكمل عامها الأول حتى، وتضخيمها كأنها مشكلة المشاكل مثلما حدث مع موضوع «البامية»، متجاهلين الحديث عن أى إصلاحات أو إيجابيات قامت بها الحكومة الحالية رغم عمرها القصير جداً. وبالتوازى مع ذلك، يخرج علينا البعض بأخبار مغلوطة تبدأ بجملة «منظمات دولية تصدر تقرير»، ويتبعها بكلمات مثل «التعذيب فى مصر» و«الانهيار الاقتصادى» فى مصر و«الفشل الحكومى» وهكذا، ليمنح أكذوبته نوعاً من المصداقية، وإن كانت بعض هذه المنظمات الدولية التى نشك بقوة بأنها مدفوعة سياسياً تقوم بإصدار تقارير بهذا المعنى بالفعل، لكن أغلب هذه الأخبار لا يذكر حتى اسم المنظمة الدولية التى يشيرون إليها على أنها صاحبة التقرير، معتمدين على أن المواطن العادى لن يبحث أو يهتم.
والطريف أن بعض وسائل الإعلام التقليدية تقوم أحياناً بالنقل الأعمى عن هذه المواقع رغم علمها بالتخاريف التى تحملها، وبذلك تساهم بدون قصد فى تأجيج الحالة السلبية المرغوب إحداثها قبل أسابيع معدودة من الذكرى الثانية لسقوط الإخوان والذكرى الأولى لتولى الرئيس السيسى الحكم.
ولكن هذه المرة لا أظن أبداً أن تؤدى موجات السخط الافتراضى التى تحاول أيادٍ ملوثة خلقها عبر وسائل التواصل الاجتماعى هذه الأيام إلى أى نتيجة حقيقية مؤثرة على أرض الواقع، لأن المواطن المصرى الذى أسقط نظامين فى أقل من ثلاثة أعوام، والذى يستطيع إسقاط النظام الثالث لو أراد، قد فطن إلى اللعبة وحفظها، ويعى تماماً أنه شريك فى المسؤولية مع الرئيس والحكومة فى بناء الوطن بالجهد والعمل، لا بتعليقات ومنشورات فى عالم افتراضى لا علاقة له بالواقع.