x

عصام شيحة فى ثلاجة الحكومة... ملفات سريعة التلف! عصام شيحة الأربعاء 20-05-2015 21:13


تبدو جهود الحكومة غير متجاوزة حدودها التقليدية المتوارثة باعتبارها الجهاز المنوط به إدارة شؤون الدولة، بينما المرحلة الدقيقة الراهنة كانت تقتضى تناولاً على نحو مُغاير لوظيفة الحكومة؛ إذ تستلزم عملية التحول الديمقراطى الوعى بأهمية الانحياز إلى مفاهيم وثيقة الصلة بنشر الديمقراطية ثقافة مجتمعية حاكمة؛ ذلك أن تقييماً موضوعياً لجهود الحكومة لا يجوز له أن ينفصل عن محتواه القيمى الداعم لطموحات الإرادة الشعبية الثورية التى انطلقت منها شرعية النظام الحاكم.

والواقع أن الصفة التنفيذية للحكومة، والتى تجد إصراراً كبيراً من المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء، لا يمكن بمقتضاها تمرير عدم إدراك الحكومة لدورها فى نشر بيئة مجتمعية حاضنة لقيم ومبادئ الثورة، والتى على أساسها يبقى التقييم الأحق بالتقدير فى مرحلة الانتقال الديمقراطى، ذلك الذى يتم بمقتضاه تجسيد طموحاته صوب حياة أكثر صلة بمنظومة القيم العالمية المعاصرة.

فى هذا السياق تعلو ولا يعلو عليها تحديات متعاظمة لا يمكن حصرها فى الأوجه التقليدية المحصورة فى أرقام صماء تشير إلى مفردات اقتصادية واجتماعية، تتناول ما تم من جهود حكومية فى البنية التحتية وغيرها من الأمور التى طالما حظيت بمواقع متقدمة فى الخطاب الصادر عن نظام مبارك العتيق، ناهيك عن نظام الإخوان رغم عدم تجاوزه العام الواحد! ما يشير إلى سطحية التناول على هذا النحو؛ حيث تُهدر الوظيفة الأكثر إلحاحاً والماثلة فى الدفع بقيم الديمقراطية إلى مستويات أعلى فى الثقافة المجتمعية، وربما كانت صعوبة الأمر نابعة من عدم قابلية تلك الوظيفة للقياس الرقمى، خاصة فى ظل الموروث الراكد فى النظم غير الديمقراطية والداعى إلى الاستناد إلى أرقام وإحصائيات لم يدرك المتلقى لها ما يفسر له بقاءه على حاله المتردى بينما النظام يتغنى بما حققه من إنجازات! فلطالما افتقدت فئات متنامية من الشعب المصرى أبجديات الحياة الأساسية، بينما الأرقام الحكومية تلتزم صيغها الأكاديمية غير المعترف بها فى الشارع على النحو الذى تلقاه على موائد المؤسسات الدولية، وهى ظاهرة يحلو للبعض التفريق بمقتضاها بين «النمو» بصورته الرأسية الرقمية، وبين «التنمية» بامتدادها الأفقى حين يحياها الناس بصورة طبيعية.

وتجاوزاً لتلك الإشكالية التقليدية فى النظم غير الديمقراطية، تدفع بنا عملية التحول الديمقراطى إلى توقعات لم يتحقق منها الكثير بعيداً عن الخطاب الرسمى الصادر عن الحكومة؛ فلا يفسر الأداء التقليدى للحكومة فى مرحلتنا الاستثنائية الراهنة إلا غياب قناعات حكومية حقيقية بمفاهيم شديدة الدلالة على رصد ما بلغته التجربة المصرية على طريق التحول الديمقراطى.

فليس من شك أن خيالاً سياسياً تفتقده «الرؤى» الحكومية إذا ما ظلت حبيسة صفتها التنفيذية، وعلى حين لا ننكر أن جهوداً تُبذل فى ملفات عديدة تطول الكثير من محاور العمل الوطنى، تغيب عن المشهد إرادة حقيقية لإدراك صيغ جديدة تصل ما بين الدولة «الرسمية» وشقها «الشعبى»، وتؤكد وجود قناعات مشتركة باتجاه قيم ديمقراطية اعتلت مشاهد الثورة.

فقد كان جديراً بالحكومة، لو أنها بالفعل تملك صيغة ديمقراطية لمخاطبة الشعب، أن تسرع من الخطى المتوقفة أو المتباطئة لتفعيل ما أعلنت عنه مراراً من «رؤى» لإعادة تأهيل جهاز الإعلام الحكومى المرئى والمسموع فى ماسبيرو، باعتباره صوت الدولة المنوط به توجيه رسالة تنويرية فقدت للأسف عنوانها الصحيح، وتم إفراغها من محتواها القيمى اللازم، حتى بات المجتمع محتجزاً فى مجموعة من برامج التوك شو؛ إذ على أجندتها تتحدد أولويات الرأى العام دون النظر بجدية إلى القضايا الأساسية للوطن.

والواقع أن الأمر يطول كذلك العديد من أوجه الأداء الحكومى، فما زال الخطاب الحكومى لم يفقد بعد صلته بمنابعه الفكرية فى أدبيات الحكومات السابقة منذ عقود؛ حتى إن القضايا المجتمعية التى تشغل الرأى العام ما زالت تحتفظ بمواقع كبيرة للمشكلات اليومية الحياتية، من غلاء الأسعار، إلى انقطاع الكهرباء، إلى تلوث مياه الشرب، إلى «استمرار» تطوير التعليم وما يصاحبه من تطور فى وسائل الغش وارتفاع لمستويات العنف فى المدارس، إلى حوادث الطرق كسبيل لريادة مصرية ثابتة منذ عقود فى أعداد الضحايا، إلى النقص الموسمى فى أسطوانات الغاز، إلى الاستعدادات لتوفير سلع رمضان، وغير ذلك كثير يمكن أن تتابعه بنفسك على شاشات التوك شو يومياً.

يأتى ذلك خصماً من رصيد القضايا الأساسية لدى الرأى العام؛ ومن ثم نفقد جدوى الادعاء بتحول ديمقراطى حقيقى نال من فكر ونهج الحكومة؛ حيث لا مجال للحديث عن أى زخم شعبى أو مشاركة مجتمعية، بينما يعيش الناس بمعزل عن كيفية إدارة شؤون الدولة على نحو حقيقى كاشف، فأين تقدير الحكومة لموقف المشروعات التى تم الإعلان عنها فى مؤتمر شرم الشيخ؟! ومن يعرف أسس اختيار أو إقصاء المسؤولين فى مصر من وزراء ومحافظين؟! باستثناء واقعة الوزير وابن الزبال، وهى بالمناسبة شديدة الدلالة على المنابع القيمية والفكرية السائدة فى إدارة شؤون الدولة.

والحال كذلك، فإن الإقرار بصعوبة التحديات أمام الحكومة أمر واجب، ليس لأنها متوارثة وعميقة ومتزايدة فقط، بل لأنها تواجه طموحات شعبية مشروعة ولكنها متسارعة ربما أكثر من قدرة الدولة حالياً فى ظل ما تواجهه من تحديات ومخاطر غير مسبوقة؛ غير أن التسارع الفائق للطموحات الشعبية ما هو إلا نتاج غياب الشفافية؛ فما زالت الحكومة تفضل الاحتفاظ فى ثلاجة النسيان بملفات لا تدرك كم هى سريعة التلف؛ ومن ثم بات «تناولها» مُلحاً على نحو كاشف للحقائق؛ إذ تعجز الحكومة بالقطع عن «استيعابها وحدها» على نحو سليم بعيداً عن أعين الناس!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية