جيهان الغرباوى _ تكتنب:
كل ما كلم حد يقولى الثورة الفرنسية حققت أهدافها بعد 70 سنة من قيامها..
طبعا الكلام ده مش داخل ذمتى بشلن، يعنى قصدهم الأكل سعره هيرخص، والشباب هيشتغل، والبلد هتفوق والشرطة هتبقى فى منتهى العدل والذوق بعد 70 سنة؟؟
يا نهار اسود، واروح انا فين فى السبعين سنة دووول؟
لا يا جماعة، الظلم حرام، مصر تغيرت كثيرا بعد ثورتين.
خد عندك مثلا من قيمة أسبوع، كنت ضيفة برنامج مهم، فى مبنى ماسبيرو العظيم، ورايحة متفائلة بقى ولابسة اللى ع الحبل وعاملة شعرى منظر، وجت سيرة الشرطة فى الكلام، ما كدبتش خبر وانبريت بحماس (حاكم انا دايما أنبرى أول ما اسمع سيرة الشرطة على طول) وهاتك يا شكر وامتنان وهاتك يا تقدير واعتزاز فى دور الشرطة وتضحيات رجال الشرطة، وضرورة مساندة الشرطة فى زمن الإرهاب، واروح لمين واقول يا مين؟ الشرطة طبعا..
نزلت من التليفزيون فرحانة بنفسى ودورى التنموى فى المجتمع، وباتمشى كده بالكعب العالى فى اتجاه سيارتى الصغيرة، لقيت لك الشرطة عاملة معاها الصح، ومكلبشاها، جزاء الوقوف صف أول عند رصيف فندق شهير.
تفتكروا ساعتها ثقتى اتهزت، أو مشاعرى اتغيرت تجاه الشرطة المصرية الحبيبة أو رجال الشرطة المخلصين؟؟
لا طبعا دى مسألة مبدأ، ثم انا استاهل، ليه استسهل واتسرع واركن عربيتى فى الممنوع؟ مفيش إحساس بالمسؤولية؟ مفيش حس أمنى؟ مفيش (سنس) بنبض الشارع ودولة القانون؟
كأى مواطن صالح توجهت نحو الباشا النقيب الذى كان ينظم المرور وقتها عند مفرق عبدالمنعم رياض، وطلبت منه بأدب وندم أن يعفو عن سيارتى ويفك الكلابش ويأخذ منى الغرامة.
كانت الثانية ظهرا وكان يضع نظارة شمس حالكة السواد، قال بحسم (روحى اقفى عند عربيتك وهابعت لك الونش) نفذت فورا، ومرت نص ساعة وانا مكانى، أنتظر فى عز نقحة الشمس،أبتلع غبار الطريق وأتحمل آلام الكعب العالى فى ذل يحرض على التمرد والشكوى لجمعيات حقوق الإنسان ومناهضة التعذيب (شعرى باااااظ).
عاودت المشوار نحو سيادة النقيب وسؤاله عن الونش وفك الكلابش، قال وكأنه قد نسانى: هو لسه ما وصلش؟ طب استنى هنا على جنب.. وفجأة تكهرب الجو وانتفض سيادة النقيب وأخذ يتكلم وينادى فى جهازه اللاسلكى ويصرخ ويعطى تعليمات عصبية لكل الأمناء والعساكر حوله، وأوقف السيارات فى الاتجاهين ونظر وجدنى، فقال كأنه يستعيد الذاكرة: انتى عايزة إيه؟ قلت: عايزة أدفع الغرامة وتفك الكلابش.
قال: أنا عارف إنك اتعطلتى بس مش هاقدر اعملك أى حاجة دلوقت.. فيه وزير معدى.
- يا أخى وزير الإسكان ده عليه حركات.
- لا ده وزير الداخلية.
- والله؟؟ لا..إنت كده معاك عذرك .
- معلش.. لما الوزير يعدى هاخلى الونش يفك الكلابش ومش هندفعك غرامة عشان العطلة الطويلة دى.
- يا سلام.. إنت إنسان جميل.
- الله يعزك.
بعد مدة طويلة مر الموكب الأسود (أقصد لون السيارات.. ليس أكثر) أما الوزير فهو بالتأكيد رجل عظيم، لقد أحببته وقدرته أكثر بعدما قال لى الباشا النقيب إنه لن يدفعنى الغرامة إكراما للعطلة التى سببها لى موكب الوزير.. يا سلام هكذا يكون العدل واحترام المواطن فى دولة القانون.. الله يعمر بيت وزير الداخلية.
عدت لسيارتى وبعد ساعة أخرى، وصل الونش ونزل منه سيادة الأمين، وسلمنى إيصالا بالغرامة، قلت له: لكن سيادة النقيب قال إنى لن أدفع عشان...
قاطعنى بحسم: مفيش حد ما بيدفعش .
لم أجادله ودفعت..
الوصل مكتوب فيه أننى طبقا للقانون يجب أن أسدد مبلغ 50 جنيها لأننى تسببت فى تعطيل المرور.
(كم سيدفع الوزير إذن؟)
قبل الثورة كانت الغرامة 40 جنيها فقط.
حقا.. مصر تغيرت كثيرا بعد ثورتين!