x

درية شرف الدين ما بين الوزارات الثلاث درية شرف الدين الثلاثاء 19-05-2015 21:43


صديقة أجنبية وصلت إلى القاهرة فى زيارة لأيام واختارت كعادتها حجرة فى فندق يطل على النيل فى منطقة تجمع الفنادق الكبرى بوسط القاهرة، واستعدت لقضاء أحلى الأوقات ــ كما تقول ــ فى رحاب النهر العظيم الذى تعشقه، وبعد يوم واحد فقط أبلغتنى أنها تركت الفندق وأنها تريد مكانا أبعد ما يكون عن هذا النهر الذى كادت تبكى حزنا على ما أصابه.

قالت: كنت ـ زمان ـ أنعم بمنظر خلاّب من حجرتى بالفندق أرقب المراكب ذات الأشرعة تتهادى بنعومة على صفحة المياه، وكان المراكبية يلوحون لنا فى ود من بعيد، لم أستخدم مكيف الهواء اكتفاء بالنسيم اللطيف المتسلل إلى حجرتى والهدوء المخيم على المكان كله، وجئت إلى القاهرة هذه المرة وأنا أمنى نفسى باستعادة نفس التجربة الماضية، ولكن ما حدث وما رأيته يثير الحزن فقد وجدت صفحة النيل وقد اكتست بمراكب كثيرة ذات موتورات عالية الصوت وتحمل مكبرات صوتية لا تهدأ على مدار اليوم، تنبعث منها موسيقى صاخبة وأصوات رديئة محدثة ضوضاء لا تحتمل، وتتوقف تلك المراكب بجوار الفنادق المطلة على النيل تستجدى الزبائن بطرق غير لائقة وتتطفل على الجالسين بحدائق ومقاهى تلك الفنادق.

وأضافت: قضيت يومين من أسوأ أيام حياتى بفعل الضوضاء التى تنبعث من تلك المراكب النيلية كنت أٌحكم إغلاق زجاج الغرفة لكن أصوات مكبرات الصوت كانت تقتحم الجدران، تقدمت بشكوى لإدارة الفندق أجابوا بأنهم يعانون مثلى من الإزعاج ومن انصراف النزلاء عن فنادقهم. تقول الصديقة الأجنبية: نعلم ما تمرون به من ظروف صعبة لكن انتهاك النهر بهذا الشكل الفج ليس بمعضلة يستحيل مواجهتها، والسمعة الطيبة فى مجال السياحة لا تعود بسهولة إذا ما ضاعت، استعيدوا وبسرعة هيبة الدولة وتفعيل قوانينها.

أصابنى الكثير من الحرج من كلمات الصديقة الأجنبية، وتساءلت: هل نحن عاجزون فعلاً عن مواجهة هذا الصراخ الدائم من مراكب نيلية فى منطقة حيوية تحوى ما لا يقل عن عشرة فنادق كبرى ومبنى الجامعة العربية ووزارة الخارجية والمتحف المصرى ومبنى التليفزيون والعديد من مكاتب القنوات الفضائية التى تنقل هذه العشوائية صوتا وصورة، إلى جانب سكان المنطقة الذين أرهقتهم الشكوى بلا مجيب، منطقة محدودة نسبيا وواجهة هامة للعاصمة اقتحمتها مراكب غير مرخصة استولت على مراسى غير رسمية اغتصبتها عنوة، ويمتد نشاط فتواتها ليحتل كافة الأرصفة، وفوق ذلك تحمل مكبرات للصوت تطلق صراخها حتى الساعات الأولى من الفجر فهل تسمح بذلك وثيقة حماية نهر النيل التى وقّع عليها رئيس الجمهورية، والتى تؤكد الالتزام بحماية نهر النيل من التعديات والتلوث؟ ألا تعد هذه الضوضاء تلوثا سمعيا؟ ألا تتضمن الوثيقة ضمانا لحق المواطنين بالتمتع بنهر النيل، فكيف يأتى التمتع مع هذه العشوائية وهذا الإرهاب الصوتى؟

يقولون إن الوثيقة تضع نهاية لضياع النيل بين وزارات الحكومة الثلاث الرى والبيئة والداخلية، إذن دعونا نرى جهدا متوافقا فى هذا الشأن ذلك أنه حتى الآن لا نر إلا جهدا وحيدا لشرطة المسطحات المائية سرعان ما تجهضه مناورات المراكب وتقاعس الجهات الأخرى. حماية النهر من جميع التعديات مسؤولية المصريين قبل الأجانب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية