لم يجدوا مفراً.. فقوات بشار الأسد «الوريث» الذى تولى رئاسة سوريا فى عام 2000، تدك ليس فقط البيوت المليئة بالسكان ولا الأحياء التى أصبحت خراباً، لكنها تضرب وبكل عنف، بهجة الشهر الكريم.. رمضان الذى ينزف دماً فى كل محافظات سوريا تقريبا، من دمشق إلى حلب ومن حماة إلى درعا، يتواصل خيط الدم.
فى مدينة 6 أكتوبر، وجد مئات اللاجئين السوريين شيئاً من الأمان فى «حضن المحروسة»، هنا يمكنهم أن يتنفسوا هواءً لا تخالطه روائح البارود، ويفطروا على تمرات بسيطة، لم تتلوث بالدم.
الطريق إلى الجالية السورية، فى 6 أكتوبر، يبدأ من ميدان الحصرى، حيث يتوافد المئات منهم لمقابلة المنسق العام للجالية إبراهيم الديرى، والذى يتولى توزيع أبناء الجالية على الشقق السكنية فى جميع أحياء المدينة، والذى أكد أن عدد الأسر التى سكنت أكتوبر نحو 250 أسرة، توزعت مابين الأحياء السادس والثالث والرابع، من جملة 850 أسرة سورية لجأت لمصر، هربا من المذابح التى لا تكاد تتوقف فى سوريا الجريحة..
المنسق العام للجالية، إبراهيم الديرى، حدد لنا موعدا للإفطار مع أسرة فى عمارة كلها سوريون، تحمل رقم 1023 بالحى الرابع. دخلت العقار، وزميلى نمير جلال، المصور، برفقة الشاب السورى محمود، فأسرته هى التى تولت مشقة الضيافة.
قبل أذان المغرب بدقائق، استقبلنا رب الأسرة محمد وفائى، وزوجته نسرين محمد الحمصى، أو أم على، كما تحب أن يناديها الناس.
على مائدة الإفطار، أول ما جادت به «أم على»، هو مشروب قمر الدين والتمر.. وعلى السفرة تنوعت الأطعمة السورية، فى محاولة لتذكر «الوطن المجروح»، فظهرت «البلجنا»، وهى عبارة عن باذنجان بالأرز والتوابل. والمكرونة السورية، التى تعد باللبن والزبادى والثوم الناعم، وكأى مائدة شامية تقليدية، جاء الفتوش، وسلاطة من طماطم وخيار وليمون وخبز مقمر والثوم الناعم، سلطة طحينة من لبن زبادى وتوابل وزيت زيتون.
شرحت لنا سيدة المنزل أن أشهر أكلاتهم الوطنية هى «الكبة»، وهى تضم لحماً وأرزاً وباذنجاناً وتوابل. ومنها نوعان مقلى ومشوى بالفرن. وأيضا «أذان الشايب»، وهى عبارة عن أرز ولبن ودقيق ولحم. وأوضحت لنا أن «الملوخية» السورى لا تطبخ إلا جافة، مع اللحم والثوم والكزبرة. وأنهم يشربون القهوة، على الطريقة التركية، مغلية، بدون وِش. أما الفول، فلا يتناولونه سوى مرة واحدة فى الأسبوع، ولا يعرفون الكشرى.
أم على، حكت بألم عن الأيام الأولى التى قضتها هاربة من «الجحيم»، هى وزوجها. قصفت قوات النظام منزلهما فى ريف دمشق، بعد أن قطعوا عن الحى الماء والكهرباء. وتبكى وهى تتذكر، كيف قتل جنود بشار والدها، مجرد أنه رفض إطفاء مصباح بالمنزل، وفتشوا الجثة، ولم يسمحوا سوى لعدد معين من جيرانه بالصلاة عليه وتشييعه، بعد إثبات هوياتهم، وفى حضور الجنود، حتى تمام دفنه فى المقبرة.
الزوج روى تفاصيل أكثر رعباً، عن رحلة هروب طويلة، بعد أن طرده صاحب المطعم الذى يعمل فيه لكونه، وفق كلامه، «سنى»، وبعد تدمير منزلهما، والمنازل المجاورة، وانقطاع الكهرباء والماء، ومع استمرار مسلسل الرعب والموت اليومى الذى سكن المدينة، كان على الأسرة أن تغادر اليوم قبل الغد، فالقناصة فوق أسطح المنازل، وإطلاق القذائف لا يتوقف، والتنقل بين مدينة وأخرى، يمر بحواجز تفتيش مهينة.
يواصل الزوج: «هربنا إلى طرطوس على حدود لبنان، ومنها إلى مطار بيروت، فى سيارة نقل تكدست بالعديد من العائلات السورية الفارة من هذا الجحيم، وهناك سمعنا عن فظائع الجيش والشبيحة، بما فيها اغتصاب البنات، تحت تهديد السلاح، دون أن ينطق أحد بكلمة، وابتزاز الأهالى ودفع الفدية».
يكمل وفائى: «سرقوا مدخراتى، ولم يتبق لى سوى 6000 ليرة، وهو مبلغ زهيد، وتبرع لنا أهل الخير بثمن التذكرة».
فى مصر سكنت الأسرة فى حى إمبابة لمدة شهرين «وبعد أن نفدت «المصارى»، أو النقود، خصص لنا اتحاد الأطباء العرب 1000 جنيه مصرى، شهريا، تم تخفيضه للنصف بعد زيادة عدد الأسر السورية فى مصر».
يقول الأب: كنا نذهب للتحرير سيرا على الأقدام، ولا أنسى يوم أن كنا جوعى نشم الطعام ولا نملك ثمنه. وفى الميدان تعرفنا على أم حمزة، سورية، ودعتنا للإقامة لديها بمدينة نصر. وعرفنا أنها هربت بأبنائها، فى حين فضل زوجها البقاء مع الجيش الحر. بعدها تعرفنا على إبراهيم الديرى، منسق الثورة السورية، الذى وفر لنا شقة بأكتوبر، وجهز أهل الخير المصريون الشقة، من أثاث وثلاجة وتليفزيون».
وفائى، كشف لنا عن محاولات من اللاجئين السوريين لمقابلة الرئيس مرسى. مشيرا إلى أن طلباتهم تتلخص فى فتح فصول بالمدارس المصرية لأبنائهم، وإلغاء رسوم تصاريح الإقامة، «لأننا لا نملك نقوداً، ونعيش أصلا على مساعدات أهل الخير المصريين».