x

رمضان بالمصرى.. عين جالوت: «جيش الصائمين» يخرج من سيناء ليهزم «التتار»

الجمعة 10-08-2012 16:14 | كتب: أسامة الشاذلي |
تصوير : other

بعيداً فى وسط آسيا بينما كانت الثلوج لا تفرق بين الحى والجماد، وتسحق ببرودتها العظام وتجعل القلوب قاسية لا تعرف معنى الرحمة، نجح الزعيم «تيموجين» الشهير بـ«جانكيز خان» فى جمع شمل القبائل المغولية المتفرقة المتناحرة وأخضعها لسلطانه بعد أن نصب نفسه عليهم «خاقاناً» أعظم عام 603 هجريا/ 1206 ميلادياً، وسعى الإمبراطور الشاب الذى أسس أشهر إمبراطوريات الرعب تاريخياً إلى توسيع حدوده فوصلت فى عصر أحفاده إلى أقصى مدى لها عام 1405 من حوض الدانوب حتى بحر اليابان، ومن فيليكى نوفجورود بالقرب من الحدود الروسية الفنلندية حتى كمبوديا، حيث حكمت شعوباً تعدادها التقريبى 100 مليون نسمة.

اتجهت الجيوش التترية لتذبح أبناء دولة الخوارزميين، ثم تواصل «سيل الرعب» متجها إلى مناطق الإسماعيلية النزارية فى إيران، وبالفعل أسقطوا قلعة الموت الحصينة سنة 1256م/ 654هـ، وبعدها إلى عقر دار الخلافة العباسية فى بغداد 1258م/ 656هـ، بعد وفاة جنكيز خان بحوالى 30 عاماً، ليجتاحوا المدينة وينهبوا مساجدها وقصورها ومكتباتها حتى مستشفياتها، ويذبحوا ما يقرب من 90 ألف شخص.

كان الجيش المغولى يعتمد بشكل رئيسى على الهجوم الخاطف وارتكاب مجازر وحشية فى رسالة للجيوش المجاورة، كان هذا تكتيكاً مغولياً يهدف إلى إرهاب المدن الأخرى حتى لا تقاومهم مثل بغداد وتستسلم مباشرة، وهو ما حدث بالفعل مع دمشق بعدها بعامين سنة 1260م، حيث استعدت المدينة لمواجهة الغزو والتصدى للاحتلال، وحشد ملكها الناصر كل قواته بالإضافة لأعداد ضخمة من المتطوعين، الذين فروا جميعاً مع اقتراب المغول من المدينة، حتى فر ملكهم هو الآخر، وخرج أعيان دمشق إلى القائد المغولى «كاتو بغا» خليفة هولاكو الذى عاد إلى بلاده بعد وفاة أخيه، محملين بالهدايا ومستسلمين.

استعد التتار لغزو مصر، وبدأت القاهرة بعد سقوط ملوكها الواحد تلو الآخر تفكر فيما بين الحرب والاستسلام للجيش المغولى، أقوى جيوش الأرض فى هذا العصر، حيث كان تنظيمه عبارة عن فرق تتكون من وحدات صغيره تبدأ من 10 جنود ويطلق عليهم اسمarban، فيما يسمى كل 100 جندىZuut التى ما إن تتجمع وتصل إلى 1000 جندى يطلق عليهاMinghan، ثم 10 آلاف جندى ويسمىTumen، وكان كل قائد مجموعة من الوحدات السابقة يخضع للقائد الذى يليه بالمستوى الأعلى وكان يقود مجموعاتTumen قائد برتبةNoyan وهو الذى يتم تكليفه غالباً بحكم الأراضى التى يحتلونها.

بينما كان المغول يستعدون لقطف «درة الخلافة» فى القاهرة، كان الارتباك يعم ساحة القيادة فى مصر، وقد وجه «هولاكو» سفارة إلى مصر فى أوائل يناير 1260م تطلب من السلطان «قطز» التسليم، وكان السلطان قد تولى الحكم منذ فترة قليلة بعد خلع الملك المنصور الطفل الصغير من الحكم، فلما سمع «قطز» ما فى كتاب «هولاكو»، قرر قتل رُسُله وأمر بإعدامهم، وعُلقت رؤوسهم على باب «زويلة»، فيما يشبه إعلان الحرب على التتار.

وبمعاونة شيخ الإسلام العز بن عبدالسلام، واتحاد الأمراء للمرة الأولى ضد الغزو الخارجى، خرج «قطز» على رأس الجيش المصرى فى رمضان سنة 658 هـ/ 1260م، ووصل إلى مدينة «غزة».

وبعث «قطز» طلائع قواته بقيادة الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى لمناوشة التتار واختبار قوتهم، واستطلاع تنظيمهم وتسليحهم وقيادتهم، فالتقى «بيبرس» طلائع التتار فى «عين جالوت» فى غور الأردن، وهى المنطقة التى كتب الله لها أن تشهد ملحمة المعركة بين جيش مصر والتتار.

صمد «بيبرس» ليوهم العدو بأنه الجيش كله وليس فقط الطليعة، حتى لحقه «قطز» بالجيش، وحين بدأت المعركة كانت الكفة تميل نحو العدو، الذى تحرك فرسانه بسرعة ليخترقوا ميسرة الجيش تماما، إلا أن «قطز» انقض على قلب الجيش المغولى لينقذ الميسرة التى كادت تتسبب فى هزيمة المصريين.

استأنف «قطز» هجومه من القلب مباشرة، وحوله المتطوعون المصريون والعرب الذين خرجوا صائمين فى الشهر الكريم يطلبون النصر أو الشهادة، فحملوا على العدو بعنف، فيما كان «قطز» قد أخفى معظم قواته النظامية المؤلفة من المماليك فى شعب التلال، لتشكل كمائن للعدو، فى المقابل بدأ «بيبرس» فى تنفيذ الجزء الباقى من الخطة، فتراجع بقواته ليستدرج العدو، ويعطى التتار انطباعاً بأن جيش مصر ينهزم.

انخدع التتار بالخطة، وتحمس «كاتوبغا» ومن معه للضغط على جيش مصر، وبدأوا يدخلون السهل حتى أصبح جيش التتار بكامله فى السهل، فانقض عليهم المماليك من الأكمنة، وأوسعوا العدو قتلاً حتى كانت الهزيمة الأكبر لجيش التتار، الذى سحق 3 إمبراطوريات وتحطم على صخرة الجيش المصرى القادم من القاهرة والمستعد فى سيناء، والمنطلق منها، ليعزف المصريون ملحمة رمضانية مر عليها حتى الآن 725 عاما، لتصبح هذه المعركة واحدة من أبرز الملاحم الرمضانية، التى أنقذت العالم من خطر التتار.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية