فتح الجدل المثار حول إقامة وزير التموين، خالد حنفي، في فندق سميراميس، وسط أخبار تتجدد كل لحظة عما يتعلق بقضية «فساد القمح»، الباب أمام تساؤلات عدة تتعلق بمدى التزام القائمين على إدارة شؤون البلاد بمواد الدستور، الذي أقسموا على احترامه، وفي رأيي أن أهم تلك الأسئلة ما يتعلق بالاستفسار عن إقرار الذمة المالية الخاص بهم.
في الدستور المصري تنص المادة 145 على أنه «يحدد القانون مرتب رئيس الجمهورية، ولا يجوز له أن يتقاضى أي مرتب أو مكافأة أخرى، ولا يسري أي تعديل في المرتب أثناء مدة الرئاسة التي تقرر فيها، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يزاول طوال مدة توليه المنصب، بالذات أو بالواسطة، مهنة حرة، أو عملاً تجارياً، أو مالياً، أو صناعيًا، ولا أن يشترى أو يستأجر شيئا من أموال الدولة، أو أي من أشخاص القانون العام، أو شركات القطاع العام، أو قطاع الأعمال العام، ولا أن يؤجرها أو يبيعها شيئا من أمواله، ولا أن يقايضها عليه، ولا أن يبرم معها عقد التزام، أو توريد، أو مقاولة، أو غيرها. ويقع باطلا أي من هذه التصرفات. ويتعين على رئيس الجمهورية تقديم إقرار ذمة مالية عند توليه المنصب، وعند تركه، وفى نهاية كل عام، وينشر الإقرار في الجريدة الرسمية. ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يمنح نفسه أي أوسمة، أو نياشين، أو أنواط. وإذا تلقى بالذات أو بالواسطة هدية نقدية، أو عينية، بسبب المنصب أو بمناسبته، تؤول ملكيتها إلى الخزانة العامة للدولة».
والسؤال هنا يتعلق بفقرة الذمة المالية، فالرئيس عبدالفتاح السيسي منذ توليه المنصب لم يتقدم بإقرار الذمة المالية الخاص به، رغم ما نصَّ عليه الدستور بأن يكشف عنه عند توليه سُدة الحكم وفي نهاية كل عام، وهو قد أكمل نصف «مسافة السكة» الخاصة برئاسته لمصر.
وسبق للزميل رجب جلال أن رصد الأمر في تقرير نشره بـ«المصري اليوم»، تحت عنوان: «الـحكومة تخالف 10 مواد في أول سنة دستور»، وكان من بين تلك المخالفات مرور 6 أشهر على تولي السيسي رئاسة البلاد دون أن يقدم تقرير ذمته المالية، فضلًا عن عدم نشره في الجريدة الرسمية.
وكذلك الأمر يتكرر الآن مع رئيس مجلس الوزراء، والوزراء الذين لم ينشروا إقرار ذمتهم المالية، وكان من بينهم وزير التموين، خالد حنفي، الذي خرج مستاء في فيديو نشرته «المصري اليوم» ويبدي انزعاجه عما أثير حول إقامته في الفندق وتحمل التكلفة من «جيبه الخاص»، بالإضافة إلى رفضه الكشف عن حسابه الشخصي، ناهيك عن كشفه لعرض قدمه إليه وزير الاستثمار للإقامة في فندق ماريوت، التابع للحكومة.
وربما لم يقرأ وزير التموين نص المادة 166 من الدستور، التي تنص على أنه «يحدد القانون مرتب رئيس مجلس الوزراء، وأعضاء الحكومة، ولا يجوز لأي منهم أن يتقاضى أي مرتب، أو مكافأة أخرى، ولا أن يزاول طوال مدة توليه منصبه، بالذات أو بالواسطة، مهنة حرة، أو عملاً تجاريًا، أو ماليًا، أو صناعيًا، ولا أن يشتري أو يستأجر شيئا من أموال الدولة، أو أي من أشخاص القانون العام، أو شركات القطاع العام، أو قطاع الأعمال العام، ولا أن يؤجرها، أو يبيعها شيئا من أمواله، ولا أن يقايضها عليه، ولا أن يبرم معها عقد التزام، أو توريد، أو مقاولة، أو غيرها ويقع باطلا أي من هذه التصرفات، ويتعين على رئيس مجلس الوزراء، وأعضاء الحكومة تقديم إقرار ذمة مالية عند توليهم وعند تركهم مناصبهم، وفى نهاية كل عام، وينشر في الجريدة الرسمية. وإذا تلقى أي منهم بالذات أو بالواسطة، هدية نقدية، أو عينية بسبب منصبه، أو بمناسبته، تؤول ملكيتها إلى الخزانة العامة للدولة، وذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون».
فحتى وإن كان فندق ماريوت تابع للدولة، كما يقول وزير التموين، فكيف له أن يتعامل معه رغم نص المادة السابقة، فضلًا عن أن السؤال أيضًا موجه إليه، وهو لماذا لم تكشف عن ذمتك المالية، فضلًا عن نشر ما تحويه في الجريدة الرسمية؟ وهي مخالفة دستورية إن لم تكن تمت، حتى الآن، سواء من الرئيس أو الحكومة.
وسبق أن احتفت الصحف المصرية، بعد زوال كابوس الإخوان، بإعلان مجلس الوزراء عن بيانات إقرار الذمة المالية للدكتور حازم الببلاوي، رئيس الحكومة الأسبق، وكشف وقتها عن أمواله وأرصدته مع السيدة زوجته في البنوك، وصولًا إلى سيارته، التي يستقلها في مشاويره.
قصة نشر الذمة المالية بعد ثورتين من الأمور الهامة، فمن حق الشعب أن يعرف من أين لحكامه كل هذا؟ فهذا الأمر لن يقلل من شأنه بل يؤكد مدى الاهتمام باحترام الدستور، الذي لا يجب أن تكون مخالفته من مسؤول أيا كان موقعه.
الحديث عن عدم الإعلان عن إقرار الذمة المالية الخاص بالرئيس والوزراء يدفع أيضًا إلى سؤال النواب، الذين أبدوا انزعاجهم تحت قبة البرلمان وصبوا غضبهم على وزير التموين.. لماذا الصمت على عدم الإعلان عن إقرار الذمة المالية الخاص بالقائمين على إدارة شؤون البلاد أو حتى نشره في الجريدة الرسمية؟