x

أحمد فؤاد أنور المواطن مصري.. والحكومة ألماني! أحمد فؤاد أنور الأحد 21-08-2016 21:37


نفس المواطن المصري الذي يظهر معدنه الأصيل عند الشدائد، ويتألق في الدقيقة 90 وفي الوقت بدل الضائع هو ذات الفرد الذي تلكأ على مدار المباراة وتخاذل، وربما أيضا تشبث بالرعونة! نفس المواطن المصري الذي حينما يسافر لأي دولة عربية أو أجنبية ينحت في الصخر ويلتزم أيما التزام فينجح باقتدار، هو ذاك الذي يكتفي هنا- في بلده- بانتقاد ولعن وربما سب الحكومة.. أي حكومة، ومهما كانت الأجواء المناوئة، ومهما كان حجم الإنجاز!! كاتب هذه السطور بالطبع وبشكل شخصي ليس من عشاق أي حكومة، وبالطبع يتطلع إلى المزيد من النجاح والتقدم في جميع المجالات. كما يقر بأن أكثر من نصف الوزراء الحاليين غير مسيسين أو تنقصهم ملكة مخاطبة الجماهير والقبول، أو يصرون على الحلول التقليدية وعمليات الترقيع غير المجدية. ولكن علينا لكي نكون منصفين وأن نقر بأن هناك إنجازات تحققت في وقت قياسي ورغم التحديات.. ومن بين تلك التحديات سلوكيات أو بالأحرى تناقضات مواطنين لا يجدون غضاضة في أن يستقلون المترو المكيف لمسافة 44 كيلو مترا بجنيه واحد، ثم يخرجون منه ليستقلون التوكتوك لمسافة قد تقل عن كيلو متر بخمسة جنيهات كاملة! واللوم والتثريب والتشنج من احتمالية تحريك سعر التذكرة من نصيب الحكومة وحدها.. نفس الأمر ينطبق بفجاجة على مواطن يتوجه إلى قصره في الجونة أو إلى فندق شهير على شط إسكندرية يتقاضى 40 ألف جنيه في الليلة الواحدة في «سويت» متواضع المساحة، بينما يضع في «تانك» سيارته وسيارات الحراسة بنزيناً مدعماً من خزينة دولة مدينة!

في الخمسينيات كنا نصنع طائرة بالاشتراك مع الهند، حيث كانت الأخيرة تصمم وتصنع المحرك، بينما مصر تصنع جسم الطائرة. ولولا أن الجسم كان متماشيا مع المحرك لما أقلعت تلك الطائرة أو حدثت الشراكة من الأساس.. حقا تقدمت الهند في مجالات كثيرة لكن الفقر المدقع لايزال مسيطراً على شرائح عريضة من الشعب الهندي، وتلك تجربة تحتاج لسلسلة مقالات من متخصصين. لكن التجربة ناصعة النجاح هي بكل تأكيد لليابان ولألمانيا فمستوى المعيشة للفرد تقدم بكل تأكيد، والمدنية في مضمار العلم تشهد للتجربة التي بدأت من تحت الصفر.. وبمأساة كاملة دولتان تحت الاحتلال تعيشان في تلال من الدمار والخراب غير المسبوق.. فكيف وصل الحال بطوكيو وبرلين إلى هذا الحد من النجاح المبهر.. السر ببساطة هو تعاون الحكومة مع المواطن والعكس. فعلى من يطالب برفاهية ألمانيا واليابان أن يعمل بالتزام وإتقان وأمانة المواطن في هاتين الدولتين، ولا يقبل أن يحصل على دعم غير مستحق.

آرائي في الحكومة أي حكومة تغيرت إلى حد بعيد بعد تولي «أصدقاء» لا أشك في تفوقهم في مجالهم وإخلاصهم للوطن ورغبتهم بالقطع في تحقيق النجاح الشخصي مناصب وزارية (في الحكومات السابقة وفي الحكومة الحالية) فالأحلام الوردية والخطط النظرية والرغبة الصادقة في التطوير على أرض الواقع تصطدم بتكاسل مريب وقتال في أنساق من التحالفات غير الظاهرة على السطح فإذا كان معدل أدء وإنجاز وزراء في حدود الـ15% فمن المؤكد أنه سيتحسن كثيرا لو ساعد المواطن التجربة أو حتى كف أذاه وتحلي بالصبر، فهناك من يعمل بـ100% من جهده على إفساد التجربة ومحاولة التطور ودفعها للخلف!!

ولهذا لم يعد مستغربا أن نجد أعدادا لا يستهان بها من الخبرات والكفاءات تعتذر عن تولي أي منصب وزير أو محافظ أو رئيس هيئة وهي مناصب على مدار عقود كانت بمثابة أقصى أماني طوابير على هيئة «عبده مشتاق».

الخلاصة في مقابل دعاة كسر الإرادة والاكتفاء بالولولة أثق أن الحل لا يكمن في حكومة بمواصفات ألماني مع بقاء المواطن على نفس المواصفات التي قادت بنا إلى تراجع خطير في الدور والمكانة والمستوى فباتت مصر شبه مشلولة في مستنقع لا تستحقه مع الارتكاز فقط على المسكنات دون تدخل جراحي حاسم. الحل المنتظر ترك تقييم الحكومة للبرلمان والأجهزة الرقابية والإعلام الموضوعي المهني، والتركيز على ما يفيد على المستوى الشخصي والعام فالمواطن المصري الراغب في رفع قيمة الجنيه أمام الدولار والعملات الأجنبية عليه ببساطة أن يرفض سياسة الانفجار الاستيرادي فنحن بجانب استيراد الأساسيات وعلى رأسها الطعام والأجهزة المعقدة نستورد أطعمة قطط وكلاب، ونستورد حتى «المدربين الفشلة»، و«المنشدين الدينيين»!! وبدلا من استقلال القطار لأسوان شتاء وقضاء الصيف في الإسكندرية وراس البر صيفا أو حتى السفر بالقطار أيضا للبنان باتت شريحة ليست بالقليلة تقضي «الهاني مون» في أقصى الأرض، وفي نفس الوقت نتمنى أن ينخفض سعر الدولار!!

الأمن القومي أيها السادة قائم على التقدم الاقتصادي ووعي السكان وقدرتهم على حماية مكتسباتهم بالردع، وكل هذا لن يتحقق سوى بإرادة التغيير الذاتي، وأن يبدأ كل منا بنفسه عساه أن يساهم بشكل فعال في مكانة أفضل تستحقها مصر وأمامها بالفعل فرصة تاريخية لاقتناصها بجهد وعمل وصبر وتخطيط ووعي.

المسؤولية المجتمعية ليست فقط مسؤولية هيئات، بل أفراد في المقام الأول، فلن يجدي أن نتعاقد مع حكومة ألماني، بينما يظل المواطن الذي يعمل متساويا –شعبيا- مع زميله المواطن المتهرب من التفكير في أي مسؤولية على سيادته المواطن القانط الرافض الممتعض من كل شيء.. وفقط! أقولك؟ خليك أنت قدوة للحكومة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية