بينما ينهش في خير هذا المجتمع الكريم زيادة سكانية تربو على تعداد دول عديدة من حولنا كل عام (2. 5 مليون نسمة سنويا)، تتعرض التنمية المرجوة لضربات قاسية تقضي على الأخضر واليابس بكل همه وحماس متمثلة في معدلات استيراد لا تقارن بالصادرات، وقبل كل هذا تنامي أعداد «حزب دعه يسرق.. دعه يرتشي» وتحوله لأكبر الأحزاب في مصر دون استمارات عضوية ودون مؤتمرات علنية وأمين تنظيم ومقرات في كل المحافظات، والحديث عنها عن مصريين علموا ولم يبلغوا، أو علموا وتستروا على جرائم فساد أو علموا وتعاطفوا لأسباب يرونها دينية!!!! بعضهم يرفع راية «الحياد» وكأن على رؤوسهم الطير وهم يشاهدون لصا يتسلق أمامهم المواسير مستهدفا شقة جار أو زميل، بل وربما أرشده لطريق مختصر أو نافذة مفتوحة أو طريق للفرار حين يصيح أحدهم من غير أعضاء الحزب «امسك حرامي»!!
شبكات مصالح «دعه يسرق دعه يرتشي دعه يستمر»، تبرر لمن حولها حيادها تارة وانحيازها للصوص المرتشين بأن «قطع الأرزاق حرام»، وكأن عدم قطع رزق تاجر مخدرات أمر محمود!! أو أن قطع رزق الموظف العام الفاسد في سلسلة جرائم وبالأدلة والمستندات والتحقيقات فيه تجني أو تجاوز، الأمور بدأ بعدم تسمية الأمور بمسمياتها فصارت الرشوة برقم «معين» مقابل الحصول على خدمة غير مستحقة واستثناء ودور آخرين «حلاوة»، أو «شاي» أو ما شابه. والانطلاق بسرعة الصاروخ من مرحلة اللَّمَمُ أي: صغيرُ الذُّنوبِ، ومقاربة الذَّنب. ودخل مرحلة العلاقة الكاملة!
ومن المؤسف للغاية أن «دعه يسرق دعه يرتشي» كان أول شبكة مصالح تعافت من لطمتها في يناير 2011 وأطلت برأسها علانية، بل ورفعت أسعار «خدماتها» لدرجة أن على باب إحدى المصالح الحكومية المشهورة بتعطيل مصالح الخلق وتعقيد الإجراءات كان يقف الوسطاء عارضين «المساعدة» على كل من يدخل بعبارة: «ثورة.. ولا مستعجل؟» وهي عبارة تلخص المسائل وبشكل مباشر والمقصود: هل ستمتنع عن دفع الرشى كما كان الوضع قبل الثورة أم أنك ممن يرفضون دفع الرشى ومستعد للتعطيل؟!
تعامي قطاع لا يستهان به عن الفساد يجعلنا نطرح على الجميع تعريفا متفقا عليه للفساد وصوره: فالفساد هو استغلال السلطة لأغراض خاصة أو حتى الادعاء بتقديم خدمة للحصول على دخل بصورة غير مشروعة باتخاذ قرارات استثنائية لمصلحة بعض الناس! أو امتياز يسهّل للبعض الحصول على أرباح إضافية، ويشمل التمييز أو التعطيل المتعمد والتلاعب في الأنظمة لتقديم مصالح شخصية، واستلاب فرص الآخرين، وهو وما يترتب عليه بالضرورة إهدار المال العام.
والمؤسف أن ثقافة الحياد لدى قطاع عريض من العامة إزاء اللصوص والمرتشين تفاقم مؤخرا ليصبح تخاذلا، بل ويتم تغليفه بغلاف إسلاميا!! فغريب أن يتلقى المرتشي رشوته وهو يقول «بإذن الله» و«إن شاء الله»، و«بحول الله».. داعيا الله بأن «يسترها عليه»، لكن الأغرب هو من يكتم الشهادة بداعي الحياد مفسرا آيات قرآنية على هواه ويكاد يقول وهو يبكي تأثرا: «اللهم أعنا على كتم الشهادة، ومساندة اللصوص والمرتشين»!
شخصيات مثل تلك تصلي وتصوم وتؤدي الطقوس بدقة والتزام شديدين، لكنها في ذات التوقيت تتجاهل الآية الكريمة: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (النور: 19)، ويعملون بتخاذلهم على جذب الوطن والمجتمع بإصرار وعناد ممزوج بفخر(!) نحو الدرك الأسفل بنشر الرذيلة، بالضبط كما كان أعضاء بأحزاب الإسلام السياسي بعد ثورة يناير يصلون ثم يشاركون في تزوير الانتخابات إن استطاعوا، ومخالفة القانون والبلطجة إن تمكنوا، وتعطيل الطوابير في اللجان المناوئة إن تيسر لهم!!
قد يمكن تفسير سقوط المرتشي بشهوة الحصول على المزيد والمزيد من المال الحرام، رغم أنه قد ينفقه في لحظة على صحته بلا جدوى على سبيل المثال، وقد يمكن تفسير الحياد أو التخاذل وكتم الشهادة في وقائع صغيرة خشية أن يتعكر «مزاج» الموظف ويغلق نافذة تلقي الخدمة أمام الجمهور ويقرر معاقبة الجمهور عقابا جماعيا، لكن ما محل هذا «المحايد» من الإعراب مع رشى بعشرات الآلاف وسرقات على مدار سنوات مفضوحة «عيني عينك» مكنت موظفا عاما في بداية السلم الوظيفي محدود الراتب- كان يقترض مثلنا- من شراء أغلى طراز سيارات في مصر وشقق فاخرة!! واجبنا أن يصل صوت الحق له ولمن حوله ممن يتأثرون به ويدافعون عن المسيئين بحجة «لا ضرر»! رغم أن الثابت والواضح للجميع من المنصفين أن أكبر الضرر يقع بالانحياز للصوص والمرتشين، لأنه يضيع الحق، بل ويمكن مقارنة من يشجع على السرقة مستعيناً بأحاديث الرسول الكريم بالذين يقتلون الآمنين بأحاديث الرسول! خاصة أن العدالة في بلادنا بطيئة مثقلة بالملفات والأعمال وتعمل في ظل إمكانيات محدودة، وهذا يلقي بمسؤولية أكبر علينا فالعدالة في كل أنحاء العالم ترتكز بشكل أساسي على تعاون الجمهور الذي تعتمد عليه جهات إنفاذ القانون والأجهزة الرقابية، وبغض النظر عن الشق القانوني والديني فإن من عوامل ردع المجرم «النبذ الاجتماعي» وهو أقل ما يمكن تقديمه، لا احتضانه ورعايته والتستر عليه.
مهما استخدموا من شعارات دينية ومبررات فاسدة شرعا وعرفا وقانونا لكل ظالم نهاية، ولا يصح إلا الصحيح. والحديث هنا للعامة قبل الرقابة الإدارية وبقية الأجهزة المسؤولة، وقبل فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر وقداسة البابا تواضروس، فمن المؤكد أن تحركاتهم التوعوية ستقابلها مقاومة وعزوف عن أداء الدور والواجب من كل حدب وصوب، الحديث للمواطن الغيور على وطنه ومجتمعه ودينه: قاوم الفساد ولا تتستر عليه. انتقى الرؤوس المتبجحة وأبلغ عنها مدعما ما تقول بوثائق وبشهادة شهود، وإن لم تتمكن فالنبذ الاجتماعي على أقل تقدير هو الحل، لو سيادتك «ثورة ومش مستعجل» أحب أقول لحضرتك: تشجع قليلا فنُصرة اللصوص والمرتشين ليست من المروءة في شيء، المروءة هي أن تعين مجتمعك على النهوض من غيبوبة طالت، ومعاناة استمرت بسبب التستر، بل ومساعدة فساد تبجح حتى صار بدلا من أن يتوارى يطالب بترقية وبمنصب، عزيزي المحترم القابض على الجمر تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، اطمئن بالله ..إن الله لا يصلح عمل المفسدين.