x

أحمد فؤاد أنور مش أحسن ما نبقى زي «اقتصاد تركيا»؟! أحمد فؤاد أنور السبت 30-07-2016 21:26


التخوفات من الأوضاع الاقتصادية لمصر مبررة ومشروعة بكل تأكيد، والغضب من احتمالية الأضرار للتقشف أو الترشيد أو ربما التخلي عن طموحات في جني أرباح بمعدلات معينة طبيعي، حتى بين من يمتلكون جزراً في إسبانيا أو شققاً فارهة في دبي، ولكن للأسف ما يتم تلحين عبارات وأكليشيهات خطيرة عن معاناة «محدودي الدخل» مصحوبة بعبارات موازية عن فشل الحكومة أو عدم محاولتها علاج الأوضاع السيئة بتنفيذ روشتة مضمونة وقريبة للحل متمثلة في التجربة التركية مثلاً، التي حققت «معجزة اقتصادية» وسددت كل الديون.. وغير ذلك من أقاويل يمكن بقليل من البحث تتبين أنها غير حقيقية، وأن من يبني ويحلل على هذه الأقاويل للوصول إلى أن «كل المسؤولين فشلة يحبون الفشل لأنفسهم ولمصر» إن لم يكونوا «عملاء يتعمدون إفشال مصر»، يبني على: «هوا» أو ربما «هوى»!.

ولأن كثيرين يهوون التصنيف، أو البحث والتنقيب عن شخص وتاريخ ومواقف كاتب المعلومة، بدلا من التأكد من سلامة المعلومة ودقتها (!)، ومن أجل الشفافية أوضح أولاً علاقتي بتركيا وهي علاقة تقدير واحترام لشعب جار مسلم مجتهد، خاصة أنني أدرِّس منذ سنوات في قسم بكلية الآداب (جامعة الإسكندرية) ينقسم إلى ثلاث شعب منها شعبة اللغة التركية وآدابها، مما أتاح لي حوارات متصلة مع أساتذة التركي، بل أساتذة أتراك منتدبين للتدريب للقسم، بجانب تلبية دعوات جمعيات الصداقة المصرية التركية، وتلبية دعوة مقربين من حركة فتح الله كولن (وأرجو ألا أعتبر بذلك مشاركاً في «الانقلاب») لافتتاح المدرسة التابعة لحركة الخدمة في القاهرة الجديدة، والاطلاع على محتوى مجلة الحركة باللغة العربية (حراء) والتي تصلني بانتظام على مكتبي دون أن أطلبها أو حتى أعلم من تحديدًا الذي يرسلها لي.. ويجب أن أسجل هنا أن المدرسة وأنا أتابع أنشطتها منذ تأسيسها، والمجلة لا تعبر عن أية مواقف سياسية سواء في تركيا أو مصر. هذا فضلاً عن زيارة ضمن وفد شعبي لتركيا للاطلاع على أوضاع اللاجئين في مخيمات حدودية ومستشفيات تركية يمكن أن تكون محل مقال قادم بإذن الله.

وإذا بدأنا بحديث الساعة وهو سعر العملة المحلية أمام الدولار: سنجد أن الليرة التركية تساوي الآن 0.3309 من الدولار، وفي عام 2013 أصبحت 0.48 دولار، وكانت حتى منتصف 2011 تقريباً تساوي 0.7 دولار أمريكي. مما يعني أن الدولار الواحد تخطى 3 ليرات تركية (بعد انقشاع هوجة الانقلاب والتأكد من فشله استقر عند 3.0392)، بعد أن كان سعره عام 2011 حوالي 1 ونصف ليرة.

لدينا تقريباً حدث الأمر ذاته، لكن الفارق أن مصر فقط هي التي نالها نقد وتخويف وتضخيم للطاقة السلبية والروح الانهزامية على الرغم من أن العكس هو الصحيح. فإذا كان الاقتصاد المصري قد عانى هنا لأسباب وأحداث تاريخية غير مسبوقة، فإنه لا مبرر لاهتزاز الاقتصاد التركي على هذا النحو المستمر طالما أن هناك معجزة وإدارة رائعة يجب أن تحتذى، الأمر ذاته ينطبق على القروض الخارجية بالمقارنة حتى بسوريا عام 2011 سنجد أن الأخيرة سددت كل ديونها بالفعل، وليس في دعاية إعلامية يتبناها محللون مصريون للأسف!.

فيما يتعلق بمعيار الديون الخارجية: تبلغ ديون مصر الخارجية -بكل مشاكلها المتراكمة- 46 مليارًا (انخفضت على مراحل حيث كانت منذ عام 48 مليارًا) وهذا يعني أن نصيب كل فرد مصري من الدين الخارجي هو: 511 دولارًا فقط، في حين أن ديون تركيا الخارجية تخطت الـ400 مليار دولار تقريبا، أي أن نصيب كل فرد تركي من الدين الخارجي 5700 دولار على كل مواطن تركي!.

وبالنسبة لمعيار التضخم وارتفاع الأسعار: تعد سوريا وعدد من دول أفريقيا الفقيرة أفضل حالا بكثير من تركيا. لأن التضخم في تركيا عام 1987 كان قد بلغ 38٪ أي أن الأوضاع كانت -تقريبا- متشابهة في هذا المعيار مع مصر التي كان التضخم في ذات العام 24%، لكن في عام 2015، ورغم بيع الأصول التركية، ودخول مصر في سنوات عصيبة ظلت معدلات التضخم متشابهة مع مصر أي 9٪ في تركيا و11٪ في مصر!! لا توجد أرقام مضاعفة إذن بعشرات المرات أو انهيار هنا ومعجزة يجب أن تحتذى هناك، كما يتم الترويج منذ سنوات والآن بكثافة.

ويمكن هنا الاستعانة بأرقام جيبوتي حيث تبين أن أعلى البيانات في معدلات التضخم كانت عام 2008: بمقدار 11.96٪ فقط في حين تحققت عام 1999 هناك معجزة بمعدل تضخم 0.40٪.

وإذا ما قارنا بين العجز التجاري، أي إجمالي الفرق بين الواردات والصادرات: سنجده وفقا لأحدث الأرقام في مصر اقترب من 50 مليارا، والعجز في تركيا نحو 35 مليار دولار، وأعتقد أنه سيتأثر كثيرا بضرب أردوغان لمؤسسات يمتلكها رجال صناعة من أنصار فتح الله كولن.

وفي قطاع السياحة: وهي المأساة الكبرى التي نعاني منها لأن دخل برج إيفل يفوق دخل مصر من السياحة 5 مرات، دخل تذاكر زيارة الأماكن الأثرية لا يكفي حتى رواتب الموظفين في الوزارة القائمة على الإشراف على الآثار. وأقصى طموح لنا أن نصل بدخل مصر من السياحة عام 2020 إلى 27 مليارا لأن إجمالي الدخل حاليا أقل من 8 مليارات دولار، في حين يقترب دخل تركيا الآن من السياحة من 40 مليار دولار.

الديون الداخلية لا يمكن مقارنتها حاليا لعدم توفر أرقام دقيقة حتى تاريخ كتابة هذه السطور، لكن إذا اعتمدنا مؤشر انهيار العملة، ومؤشر تزايد الدين الخارجي، ومؤشر غلاء الأسعار والتضخم فإن الأمر محسوم لكفة مصر. فظروف الثورة وشل حركة البلد مرتين خلال ثلاث سنوات وما صاحبها من تخريب وانقطاع السياحة ودعم خارجي للإرهابيين غير مسبوق واستثنائي، كما أن مصر لم تؤجر أرضها قواعد عسكرية، أو تفتح حدودها لمرتزقة للتدخل في دولة لحساب دول أخرى كما فعل أردوغان. ومصر 30 يونيو أو مصر اليوم –بشكل أدق- ورثت ديوناً اقترضها مبارك (نصف إجمالي الدين تقريبا)، واقترضها المجلس العسكري ثم محمد مرسي ثم المستشار عدلي منصور. لكنها حتى تاريخه لم تبِع الأصول كما فعلت تركيا!! فقد باع «رجب طيب أردوغان» الشركات والمؤسسات بما فيها شركة توزيع الكهرباء وشركة المياه، وحتى الطرق التركية؛ للحصول على مزيد من سيولة مالية عاجلة، وهي خطوة نتفق أو نختلف حول جدواها إلا أن الكثيرين يرفضونها في مصر لأسباب اجتماعية، ولأسباب منطقية منها ما هو الشيء الذي سيباع في الأزمة القادمة طالما أنه تم تأجير الأرض قواعد عسكرية، وبيع الخدمات الأساسية التي لا تحتمل الاحتكار أو رفع الأسعار للمواطن مثل المياه، والكهرباء والطرق؟

الهدف من كل ما سبق التأكيد على أنه الرغبة في التطوير والطموح للأفضل وتحسين المستوى لا يمكن أن يتم ببث روح اليأس والانكسار والاستسلام، ولن تكون البداية الصحيحة الولولة من وضع كارثي، في حين أنه تقريبا ذات وضع جيران نشيد بهم ونتمنى أن نكون مثلهم!! الحل يبدأ بتخطيط على مستوى الأفراد قبل المسؤولين، لتقليص الواردات وزيادة الصادرات، ويتطلب صبرًا، وثقة، وردعًا (أيوه ردع)، وقبل ذلك بنية تحتية لا تكتفي بالحلول الترقيعية، وقبل كل ذلك إرادة وثقة بالنفس، حتى لا نصل لمصير.. الاقتصاد التركي.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية