أعتبر نفسي من الزبائن الدائمين لسكك حديد مصر، فمنذ مطلع التسعينيات وأنا لي رحلات منتظمة أسبوعيا قد تصل إلى رحلتين يوميا، ولذا استوقفني التطوير الذي حظيت به محطتا رمسيس وسيدي جابر، وكذا محطة مرسى مطروح وبعض المحطات الأخرى، وقد شمل هذا التطوير بالفعل الديكور والشكل الحضاري، وكذا وضع ماكينات للحجز الإلكتروني، وشاشات تبين عدد الأماكن المتبقية في كل درجة من كل قطار لمنع التلاعب، وكباري جديدة على الطريق.. ولكن بالطبع لا تزال هناك ملاحظات يمكن تلافيها: أولها طريف، حيث يتوسط «ماكيت» لمبنى السكة الحديد برمسيس داخل القاعة الرئيسية المؤدية لأرصفة القطارات قررت الناس أن ترمي صورها داخله عبر فتحات دقيقة في الزجاج، بل ووضع البعض قطعا ورقية عليها رسم لعملة الخمسين جنيها بجوار هذه الصور.
لا أعلم هل أصحاب تلك الصور مغادرين أم من الواصلين؟ ولا أعلم بالضبط ما الهدف!! فالناس قد تفرح بنشر صورتها في الجورنال، لكن الإقدام بكثافة على نشر الصور في السكة الحديد.. ظاهرة تستحق الدراسة.
خمّن البعض أن هؤلاء فقدوا صورهم والهيئة مشكورة وضعت صورهم في الماكيت لكي يستردوها، لكن في تقديري أن بعض هؤلاء من مجاذيب السكة الحديد.. على غرار بعض بسطاء زمان حين كانوا يقبلون «حديد التورماي» المتجه للسيدة والحسين. الوضع الآن خرج عن السيطرة من كثرة الصور، وهذا مرجعه في الأرجح مكون في الجينات من أيام إقدام رمسيس على نقش «خرطوش» يحمل اسمه على جدران معابد شيدها غيره.. وعلى غرار «الراجل اللي بيبوس اللعيب وهو باصص للكاميرا» أثناء حوار بين اللاعب وإحدى المحطات الفضائية. أي أن تلك الصور وضعت فقط كتذكار حضرتك.. يبرهن أنهم كانوا هنا.. أو كأن البعض يتعامل مع محطة رمسيس على أنها «بير مسعود» جديد.
بمناسبة الصور الغامضة، والزيادات الحادة في أسعار التذاكر، وتولي وزير جديد- الدكتور جلال السعيد- حقيبة النقل في القطارات المكيفة، ثم تحويل بعض الخطوط لنظام الـ«v.i.p» المبالغ في سعره. أضع أمام الوزير المحافظ ملاحظات «زبون قديم»، وبداية أقترح عليه تنظيم من يرغب في اطلاع الناس على صورته في السكة الحديد سواء من خلال شاشة إلكترونية أو دفتر شيك أو جدار، فبجانب البهجة يمكن تحصيل رسوم على من يرغب، وبالطبع يمكن تحصيل رسوم أكثر لمن يرغب في تجديد فترة العرض، أو وضع صورته بشكل مميز بدلا من إلقاء الصور في الماكيت، حيث يلقى بعضها مصيراً سيئاً فتظهر على ظهرها مجرد مستطيل أبيض.
وبغض النظر عن تلك الصور، أقترح ملحاً على الوزير الجديد أن يقابل الزيادة، زيادة للموارد بعيداً عن حصيلة التذاكر، مثل الإعلانات مثلاً، وأطالبه ملحاً بتحسين أداء العنصر البشري، فأخطر ما يعيق الأداء المساواة بين من يعمل بجد وإخلاص وأمانة، ومن يعمل متأففاً، جل تركيزه على عائد شخصي إضافي ما. فعن تجربة شخصية نجد أن «قطار 905 لا توجد به أماكن».. وبعد دفع المعلوم «به مكان».. وبعد استقلاله «عربة 8 وعربة 9 خاويتين تقريبا»! فأين الرقابة التي تحمي حقوق المواطن وتصون المال العام؟
نموذج آخر، الموظفة وهي تبدأ نوبتجيتها في محطة قطار رمسيس صالة 2 «متأففة» غير راغبة في العمل، لأنها تعلم والمواطن يعلم أن وزيرها لا يمكن أن يستغني عن خدماتها ويخصص مرتبها لخريجة أقل «تأففا» فهل سيبقى الحال على ما هو عليه أم ستكون هناك وقفة؟ فلا يمكن أن يحصل على نفس الراتب والحوافز من لا يرد على الأسئلة ولا يقدم خدمة.. بالضبط يعامل معاملة من يحسن تقديم الخدمة ويرد ببشاشة!.
عزيزي الوزير الجديد من قائمة الملاحظات أيضا التي لم يقم بتلافيها معاونوك:
- قطار رقم 914 لوحات أرقام المقاعد وأيها بجوار النافذة وأيها على الممر متناقضة، فاللوحات المعدنية عكس الورقية.. وهذا مظهر غير حضاري وقد يخلق مشاحنات.
- قطار الـ«v.i.p» باهظ الثمن، توجد به لوحات داخل وخارج القطار تفيد بأن هناك خدمة انترنت «واي فاي»، وبالفعل الإشارة موجودة، لكن الخدمة غير موجودة منذ حوالي ستة أشهر!! الحمامات أيضا في ذات القطار لا يوجد بها صابون سائل في الأماكن المخصصة لذلك! مع العلم بأن هذه البنود لن تكلف على الإطلاق مقارنة بأسعار بضع تذاكر في عربة واحدة من عربات القطار، ولعل المانع خير.
- اللوحات الإلكترونية الخاصة بمعرفة عدد المقاعد المتبقية تم تعطيلها في رمسيس (!!) لعل المانع خير.
- الماكينات الخاصة بقطع التذاكر إلكترونيا لا يوجد عليها إقبال ربما نتيجة نقص الدعاية أو وجودها في مكان خفي.. أو بسبب آخر.
نحتاج في هذا المرفق الحيوي وغيره الشفافية في اطلاع المواطن على كيفية صرف الموارد الإضافية: بمعنى أن هذا سيخفف من العبء النفسي على من يدفع هذه الزيادات أن يعلم أنه تم تحسين الخدمة بهذه الموارد في عدد كذا من قطارات الغلابة غير المكيفة.. أو شاهد معاملة لوجه الله طيبة في شبابيك الحجز. كما نتوق- الصراحة بجد- لتلقى خدمة إنسانية يستحقها المواطن المصري بعد طول عناء.. خدمة تذكرنا بالسكة الحديد زمان حين ارتبطت في الأذهان بأفلام وأغانٍ من علامات السينما والطرب، وهو ما يمكن الوصول إليه بقليل من التنظيم والإرادة، وليس فقط الإدارة الروتينية.
عزيزي المواطن: وأنت داخل أو خارج من محطات القطار لا تدع قطار حياتك يتوقف كثيرًا على «مـحـطـة اليأس»، جهود مكافحة الفساد وانتزاع الحقوق تحتاجك. عزيزي المسؤول في السكة الحديد أو غيرها من المرافق ومواقع المسؤولية: وأنت داخل أو خارج من مكتبك احتفظ دومًا بـ«تـذكـرة الأمل والعمل والعدل» حتى لا تتحول الرغبة في الظهور المصحوب ببهجة صور ماكيت السكة الحديد لهتاف صور الصامتين الغاضبين.