الشكوى مرة من فساد المحليات.. وسوف تزداد الشكوى إذا أجرينا انتخابات المحليات فى ظل القانون القديم للمحليات.. لأننا إن ارتكبنا هذا الخطأ نكون قد أسبغنا الشرعية على هذا الفساد.. فالقاعدة تقول: ما بنى على باطل فهو باطل.. وهل لدينا أبشع مما نعانيه من هذه المحليات، فى ظل قانون أقاموه ليرسخ سيطرة الدولة على كل شىء: من أصغر وحدة محلية.. إلى أكبر مجلس محلى للقاهرة نفسها؟!
وأعلم أن هناك مشروعاً بقانون تم عرضه على البرلمان.. ولكننا لا نعرف إلى أين انتهى.. وهل سوف نتخذ إجراءات هذه الانتخابات فى شهر ديسمبر المقبل دون أن يصدر هذا القانون، الذى وافق مجلس الوزراء فى اجتماعه يوم 20 يوليو الماضى على المسودة النهائية لهذا المشروع، الذى يحمل اسم قانون الإدارة المحلية؟.. وبالمناسبة هل هو قانون للحكم المحلى، أم للإدارة المحلية، أم للتنمية المحلية؟.. لأننا عندما نقلنا هذا النظام عن ألمانيا، فى أوائل الستينيات، كان الهدف هو تقليل الاعتماد على مركزية الحكم بزيادة جرعة الحكم المحلى، حتى تواجه كل منطقة مشاكلها بما يتفق مع ظروفها.. ولكن لأننا نعشق المركزية، ولابد من «يد للسلطان» فى كل شىء، قلصنا نسبة «المحلية».. وزدنا نسبة «المركزية»، حتى لو قلنا إن المحافظ هو رئيس جمهورية محافظته، ولكن كل محافظ دائماً ما ينتظر التليفون المهم من القاهرة!! وهذه قضية يمكن أن نتحدث عنها تفصيلياً.. فى المستقبل.
ونعود إلى ما أعلنه الدكتور أحمد زكى بدر، وزير التنمية المحلية، من أن الوزارة بدأت الاستعداد لإجراء أول انتخابات محلية، بعد الثورة، ولكن العجب أن تجرى هذه الانتخابات فى ظل القانون القديم الحالى.. وكأنك يا أبوزيد ما قمت بالثورة!! رغم أننا لم نجر انتخابات البرلمان إلا بعد أن أعددنا الدستور الجديد، الذى يتفق مع الوضع «الثورى» الجديد للبلاد.. وكان هذا صواباً بالنسبة للبرلمان.. ولكنه ليس صواباً بالمرة - هذه المرة - بالنسبة للمحليات.
ولمن لا يعلم، فإن شيئاً لم يتغير فى هذه المحليات، لا قبل ثورة 25 يناير ولا بعد ثورة 30 يونيو، فالفساد مازال يرتع فى كل مكان، وللأسف فإن الفساد دائماً ما ينبع ويبدأ من القاعدة، أى من القاع، وهذه القاعدة فيها «كل أساس» الحياة السليمة فى البلاد.. ووضعنا الأمل يوم جاء الدكتور أحمد زكى بدر ليتولى مسؤولية هذه الوزارة.. واستبشرنا خيراً بقدومه لما عرف عنه من حزم وقدرته على مواجهة أى فساد أو مشكلة، ولهذا كنا نتشوق أن يبدأ الدكتور بدر مهمته الأساسية، وهى محاربة الفساد، ليضع الأساس السليم لتحقيق أحلام الناس فى الثورة الحقيقية.. التى يجب أن تبدأ من القاع: من المجالس المحلية فى القرى والنجوع.. وأن تصبح هذه المحليات «الصغيرة» هى المجال الطبيعى لتدريب الشباب على العمل السياسى البرلمانى.. فما هذه المجالس إلا برلمانات صغيرة تعلمنا كيف ندير الأمور.. ونواجه أى فساد.. ولكن للأسف أصبحت هذه المجالس - فى القرى والمراكز والمدن... إلى المحافظات - هى الباب الملكى الأوسع لنشأة الفساد.. وقد كان!!
وأعترف بأن محاولة إعداد مشروع قانون جديد للإدارة المحلية - الآن - ليست هى المحاولة الأولى.. إذ حاولنا ذلك منذ حوالى 20 عاماً، وبالضبط عام 1997، عندما حاولت حكومة الدكتور كمال الجنزورى الأولى إجراء تعديلات على القانون، بهدف إصلاحه.. ثم تبعت هذه المحاولة محاولات أخرى فى أكثر من حكومة تالية.
فهل «القوى الخفية» التى وقفت وراء إفشال هذه المحاولات القديمة هى نفس «القوى الخفية» التى تحاول الآن عرقلة إصدار القانون الجديد، الذى وافقت عليه الحكومة ثم أحالته إلى مجلس النواب.. وتم رفعه إلى مجلس الدولة لإعداده فى صيغته النهائية؟!
■ ■ ولا يهمنا أن يصدر القانون أو يسقط فى الطريق.. لأن كل ما يهمنا هو كيف نحارب الفساد فى هذا القطاع الحيوى، الذى يتغلغل فى كل قرية ومركز وترى فيه جماعات الإفساد السياسى فرصتها الأساسية لجمع الثروات والنفوذ.. والسيطرة على «بطن» الأمة بالكامل.. ومن القاعدة.
■ ■ ورغم ما أعلنه الوزير - الذى نراه الأجدر على مواجهة الفساد - من أن الانتخابات يمكن أن تتم فى ديسمبر المقبل.. إلا أننا نستبعد ذلك وعليه - وعلى الدولة كلها - أن تعلن الحرب على الفساد المستشرى فى هذا القطاع.. هذا إذا أردنا أن يحس الناس بالثورة الحقيقية.
ومن لا يصدقنى عليه أن يدخل إلى موقع للمحليات، وتكون له مصلحة هناك.. ليرى لماذا نطالب.. وبماذا نطالب.