x

محمد حبيب عندما لاح ضوء الفجر فى الأفق محمد حبيب السبت 16-07-2016 21:54


أودعنا سجن استقبال طرة فى ٣ سبتمبر ١٩٨١، دون أن يحقق معنا وظللنا فترة ونحن لا نعرف ما هى قضيتنا وكم من الأيام أو الشهور أو السنين سوف نقضيها؟.. وما كان الله ليتركنا على هذا الحال، ففى الأيام القليلة الأولى، رأيت فى المنام أنى أرتدى «بلوفرين» فوق بعضهما، وأنى جالس فى بيتى..

وقد أولت هذه الرؤيا على أن إخلاء سبيلى سوف يكون فى فصل الشتاء، لكن أى فصل شتاء هو، لا أدرى؟ كما دل وجودى فى بيتى على أنى سوف أعود إلى عملى بالجامعة، حيث كان قد صدر قرار الرئيس السادات بفصلى منها وإلحاقى «مستشارا» بوزارة الصناعة.. كانت كل المظاهر التى تحيط بنا تشى بأن الحبس الاحتياطى لن يستمر طويلا.. إلا أن جريمة اغتيال الرئيس الراحل السادات فى ٦ أكتوبر ١٩٨١، قلبت الأمور رأسا على عقب.. وجاءت جريمة أحداث أسيوط بعدها بيومين، والتى راح ضحيتها حوالى ١١٨ من قوات أمن أسيوط، فى صبيحة عيد الأضحى، فزادت «الطين بلة»..

وقد ألقى القبض على ألوف أو بمعنى أدق عشرات الألوف من الجماعات الإسلامية، والإخوان، والسلفيين (علمية وجهادية).. بدا واضحا أن الإفراج لن يكون قريبا بحال، وأن الأقرب إلى الاحتمال هو أننا سوف نقضى فى الحبس الاحتياطى شطرا كبيرا من عمرنا(!) والذى حدث أنه بعد انتقالنا إلى سجن ليمان أبوزعبل فى ٢٨ أكتوبر من نفس العام، بدأ فتح باب زيارات الأهل إلينا..

وكنت قد اتخذت قرارا بألا تزورنى زوجتى وأولادى، حيث يأتون من أسيوط إلى القاهرة، ثم إلى منطقة أبوزعبل، ثم العودة إلى أسيوط، وفى ذلك مشقة كبيرة لهم.. لكنى، فوجئت فى منتصف ديسمبر بوالدتى (رحمها الله) وأخى الذى كان يقيم فى القاهرة يأتيان لزيارتى ويحضران معهما «بلوفرا»، لمواجهة برودة الشتاء.. ولما عدت من الزيارة، لقينى جابر رزق (رحمه الله)، فقال لى: كيف حال الزوجة والأولاد؟ قلت: كانت الزيارة لوالدتى وأخى..

قال: ألم تزرك الزوجة والأولاد؟ قلت: لقد بعثت برسالة إليهم ألا ياتوا..قال الرجل (معاتبا): الزيارة لهم وليست لك، فلا تحرمهم ذلك.. رأيت منطقه مقنعا، فأرسلت إليهم بأن يأتوا.. فى أول يناير ١٩٨٢، جاءت والدتى بصحبة آخى لزيارتى مرة أخرى، ومن العجيب أنهما أحضرا معهما «بلوفرا» ثانيا.. قلت فى نفسى: لقد ثبتت الرؤيا، وصار إخلاء السبيل وشيكا، فأرسلت إلى زوجتى وأولادى بعدم السفر.. فى منتصف يناير، رأيتنى فى المنام جالسا أمام المرآة فى بيتنا القديم بدمياط، وزوجتى تحلق لى رأسى، ولما فرغت من ذلك أمسكت بمرآة لترينى شكل الحلاقة، فأومأت إليها بالرضا..

بعد الرؤيا بأسبوع، كنت جالسا أمام غرفتنا مع بعض الأخوة فيما يعرف «بطابور الشمس»، وهى فترة تمنحها لوائح السجون لكبار السن حتى تتعرض أجسادهم للشمس التى لا تدخل عادة إلى غرف السجن.. ولأنى لم أكن قد حلقت شعر رأسى منذ أن قبض على، فقد طال شعر رأسى ولحيتى بشكل ملحوظ. مر علينا ونحن جالسون، شاويش الدور، ويبدو أن طول شعرى أثار حفيظته، فقال: قم يا رجل فاحلق شعرك، والحلاق موجود فى نهاية الطرقة.. وجدتها فرصة، فانطلقت إليه..

وأثناء مباشرته للحلاقة، عرفت أن اسمه سعيد، وأنه سجين جنائى، صدر عليه حكم عسكرى بـ ١٥ عاما.. بعد أن انتهى، أمسك بمرآة ليرينى شكل الحلاقة.. عندما نظرت فى المرآة وجدت شكل الرأس هو نفس المنظر الذى شاهدته فى الرؤيا.. حينذاك، صار لدى يقين أن الإفراج أصبح أمرا منتهيا.. ففى صبيحة يوم ٢٧ يناير ١٩٨٢، نودى على بعض السجناء - كنت واحدا منهم - بأن يحضروا أمتعتهم وينزلوا إلى ساحة السجن حيث صدر قرار بالإفراج عنهم.. وما هى إلا دقائق حتى كنا خارج السجن، لنستأنف الحياة من جديد، وكى نخوض معركة العودة إلى الجامعة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية