يرجع فشل جماعة الإخوان فى حكم مصر إلى عدة عوامل، منها: غياب المعايير العلمية فى الرؤية الاستراتيجية والتخطيط والإدارة والمتابعة، انعدام العمل المؤسسى، فقدان الخبرة والتجربة، وعدم الالتزام بمنظومة القيم الأخلاقية والإنسانية..
ولا شك أن العامل الأخير لعب دورا كبيرا فى هذا الفشل، حتى من قبل أن تصل الجماعة إلى الحكم، إذ عندما يستغل عضو من مكتب الإرشاد صلته وقرابته لمرشد الجماعة من ناحية، ومداهنة بعض أعضاء المكتب له من ناحية أخرى، لخوض معارك تصفية وإقصاء ضد أعضاء آخرين فى المكتب عن طريق اتهامهم بالتخوين والعمالة لهذه الجهة أو تلك، فلابد أن تؤول الجماعة فى النهاية إلى الفشل..
فى هذا المقال، سأكتفى بمثال واحد يبين ما أقصد إليه.. فقد قاد محمود عزت، أمين عام الجماعة، معارك ضارية ضد عبدالمنعم أبوالفتوح، عضو مكتب الإرشاد آنذاك، إذ عمد إلى تشويه صورته واغتياله معنوياً على مستوى الجماعة، لدرجة أنه شاع بين القوم أنك إذا أردت أن تنال ثقة «عزت» فعليك أن تنال من «أبوالفتوح» أمامه.. كان الخلاف ظاهراً وبارزاً بين الرجلين، فالأخير كان متحركا ومنفتحا على كافة القوى السياسية والوطنية، بينما الآخرون: محمود عزت، محمد مرسى، جمعة أمين، ومحمود غزلان، وغيرهم منكفئون على أنفسهم وعلى التنظيم..
كان «أبوالفتوح» يشغل منصب أمين عام اتحاد الأطباء العرب آنذاك، وهو ما أتاح له الكثير من الأسفار واللقاءات مع دبلوماسيين أمريكيين وأوروبيين، فضلاً عن مسؤولين من الإخوان، وبالطبع كانت تواكب ذلك- فى العادة- تصريحات حول الجماعة وسياساتها، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، الأمر الذى كان يستفز محمود عزت والمجموعة التى أحاطت به.. ولا ننسى زيارة «أبوالفتوح» للأديب نجيب محفوظ، وما صدر من تصريحات أثناء الزيارة وبعدها..
وفى يوم من الأيام، فوجئت بأن «عزت» أرسل محمد سعد الكتاتنى إلى الجزائر للتجسس على «أبوالفتوح» الذى سبقه إليها بيوم.. كان «عزت» يريد أن يعرف ما يصدر عن «أبوالفتوح» من تصرفات وتصريحات.. وعندما علمت بذلك أنكرت على «عزت» ما فعل، وأخبرته بأن هذا التصرف لا يليق بجماعة المفترض أن تلتزم بمنظومة قيم أخلاقية وإنسانية، فما كان منه إلا أن قال: هذا أمر إدارى (!).. وقد نشأت عن ذلك مشكلات ونزاعات لا حصر لها.. وللأسف، لم يحدث يوما أن جلس الرجلان معا لتصفية هذه المعارك والوقوف على أسبابها.. ولم يكن مرشد الجماعة محمد مهدى عاكف، وهذا دوره الأصيل، يحاول التوفيق بينهما.. أتذكر جيدا أنه قامت فى أحد الأيام مشكلة بين «عزت» و«أبوالفتوح».. كان ذلك فى مقر مكتب الإرشاد.. فقلت لهما: هيا بنا إلى المرشد فى مكتبه لعرض المشكلة عليه.. بعد أن جلسنا، قلت: يا أستاذ «عاكف»، يوجد خلاف شديد بين الأخوين، فأرجو أن تستمع لوجهة نظر كل منهما، كى تحكم بينهما بما هو مناسب.. قام كل منهما بعرض ما عنده، ولما وجدت المرشد لا يريد أن يتكلم، اقترحت عليهما رأياً، فلم يعجب كلا الأخوين.. فما كان من «أبوالفتوح» إلا أن ترك الجلسة وخرج من غرفة المكتب وهو يرغى ويزبد، وتبعه فى ذلك «عزت»..
قلت: يا أستاذ «عاكف»..لا تتركهما يمضيان وهما على هذا الحال.. رد الرجل بمنطق عجيب: «سيبهم يخبطوا فى بعض» (!) وفى يوم، كنت جالساً مع الثلاثة: محمود عزت، محمد مرسى، وجمعة أمين، وإذا بهم يريدون محاسبة «أبوالفتوح» عن بعض التصرفات واتخاذ قرار بشأنه.. فقلت: انتظروا حتى يأتى الرجل من سفره، فالأصل هو أن تناقشوا الأمر فى حضوره، إلا أنهم رفضوا، وأضمروا فى أنفسهم أمراً.. ففى انتخابات مكتب الإرشاد التى جرت فى أواخر عام 2009، صدرت أوامرهم إلى أعضاء مجلس شورى الجماعة بإقصاء «أبوالفتوح» حتى ينتهوا من «مشاغباته» داخل المكتب وخارجه، وقد حدث!