(١) كنت فى أسيوط يوم اتصل بى هاتفيا د. محمد بديع، المرشد العام للإخوان، ليستطلع رأيى فى إرسال د. محمد مرسى ود. الكتاتنى إلى اللقاء الشهير مع الراحل عمر سليمان، وكان ردى: لا تفعلوا ذلك، فهناك اتفاق مع رفاق الثورة فى الميدان ألا تكون هناك مفاوضات إلا بعد رحيل مبارك، وفى رأيى أن هذا خيانة.. ثم إن الدعوة أساسا لشق الصف، وهو ما لا يجب.. قال د. بديع: نحن سنذهب لعرض المطالب.. قلت: المطالب معروفة وهى معلقة فى لوحات على الأعمدة فى الميدان.. وللأسف لم يستجب، وذهب مرسى والكتاتنى للاجتماع.. كان هناك لقاء عام، جمع رؤساء أحزاب وشخصيات عامة.. وكان هناك أيضا لقاء خاص بين عمر سليمان ومرسى والكتاتنى، طلب الأول منهما أن يسحب الإخوان الشباب من الميدان.. قالا: فى مقابل ماذا؟ قال: ماذا تريدان؟ قالا: إعطاء مشروعية للجماعة، والإفراج عن خيرت الشاطر وحسن مالك.. والذى حدث أن الشباب رفضوا الانسحاب من الميدان، ومن ثم فشلت الصفقة..(٢) فى المرة الثانية، اتصل بى د. بديع يدعونى لحضور اجتماع أول مجلس شورى عام للجماعة الذى سيعقد يوم ١٠ فبراير ٢٠١١، بعد ١٦ عاما من آخر جلسة انعقاد له.. أيامها، كنت ما زلت عضوا بالمجلس.. رفضت الدعوة لعدم قناعتى بهذا المجلس بسبب العوار الذى لحق بتركيبته، وطريقة اختياره، علاوة على عدم ممارسته لدوره فى متابعة ومراقبة ومساءلة أعضاء مكتب الإرشاد.. بعدها اتصل بى الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وألح على لحضور الاجتماع، حيث علم أن المجلس سوف يتخذ قرارا برفض ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية، وبالتالى قرار فصله من الجماعة حال إصراره على الترشح.. ولما سأل الدكتور أبوالفتوح عن سبب رفضى للحضور، أخبرته بأن لى ملاحظات على هذا المجلس.. رد قائلا: إن١٠٪ فقط من الأعضاء ليسوا على المستوى، أما الباقون، فهم ممتازون.. قلت: العكس هو الصحيح.. (٣) فى اجتماع مجلس شورى الجماعة، جلس على منصة الاجتماع كل من د. بديع ود. مرسى.. حكى الأخير ما حدث فى اللقاء العام المجمع مع عمر سليمان.. فقام عبدالمنعم أبوالفتوح، وقال: إحنا عايزين نعرف ما حدث فى اللقاء الخاص.. وكانت مفاجأة من العيار الثقيل ثار على أثرها «عاكف»، وآخرون من بعده.. التفت د. مرسى إلى د. بديع، وقال له: إحنا مش كنا متفقين على ألا نخبر أحدا بذلك؟.. وكانت- كما يقال- فضيحة بجلاجل.. حاول د. بديع تهدئتهم بقوله: اذكروا الله.. اذكروا الله.. لكن أعضاء المجلس كانوا فى حال آخر.. كانت لحظة كاشفة، دلت على الكيفية التى كانت تدار بها الجماعة، من حيث عدم الالتزام بالمؤسسية، وتغييب نظم ولوائح الجماعة.. فلا شفافية بين أعضاء مكتب الإرشاد من ناحية، ومجلس الشورى العام من ناحية أخرى، ولا شفافية بين أعضاء مكتب الإرشاد أنفسهم.. فهناك معلومات يتم تداولها بين أعضاء بأعينهم دون آخرين، وقرارات يتم اتخاذها دون علم مكتب الإرشاد نفسه (!)
(٤) المهم أن المجلس المذكور اتخذ قرارا بفصل أبوالفتوح، وأقر أنه ضد ترشح أحد من الجماعة لمنصب الرئاسة، وأن الجماعة سوف تنافس على ٣٠٪ من أعضاء المجلس النيابى، على أساس «المشاركة لا المبالغة».. بعد ذلك، تنكر المجلس لما أقره سابقا، أو بمعنى أدق اتبع ما أراده مكتب الإرشاد، فوافق على ترشح واحد من الجماعة لمنصب الرئاسة، والمنافسة على أغلبية أعضاء المجلس النيابى.. هكذا كانت الأمور تجرى.. وجماعة هذا شأنها، كان لابد أن تسقط سقوطا مدويا.. لقد كان صعودها إلى قمة هرم السلطة فى مصر، فرصة كبرى لكشف عوارها أمام الجماهير التى كانت تظن أن الجماعة هى الأمل الذى سيعيد إلى مصر وجهها المشرق ودورها الريادى، لكن «أتت الرياح بما لا تشتهى السفن».