كان أستاذى وصديقى كامل زهيرى عندما يسخر من أحد الصحفيين يقول إنه حرق الكتب بعد الامتحان! وعندما سمعت هذا التعبير منه لأول مرة، ولم أكن قد سمعته من قبل، سألته ماذا يقصد، فقال إن معناه أنه يكره القراءة، وأن الكتب بالنسبة إليه كانت الوسيلة للإجابة عن أسئلة الامتحان ثم تنقطع صلته بها بعد ذلك إلى الأبد!
سمعت هذا التعبير فى نشرة أخبار تليفزيونية أثناء مظاهرات طلبة الثانوية العامة احتجاجاً على إعادة الامتحان الذى تم تسريبه، قال أحدهم بالنص «نمتحن تانى إزاى.. ده إحنا رمينا الكتب»، وقال آخر «لقد امتحنا ونسيت المادة وانتهى الأمر»!
لا شىء يعبر عن كارثة التعليم فى مصر أكثر من هذين القولين، إنه التعليم الذى أنتج التطرف الدينى وأدى إلى غياب قيمة العلم وقيمة العمل وقيمة إتقان العمل وعدم احترام القانون وعدم احترام الآخرين، وكل المصائب التى نعانى منها، هذان القولان يعنيان أن هدف التعليم الشهادة، وهدف الشهادة العمل، وهدف العمل المال، وإذا جاء المال من دون علم ولا عمل، يصبح مقبولاً، وليس أدل على ذلك من الذين استقالوا من أعمالهم فى ذروة شبابهم مادامت شركات توظيف الأموال تعطيهم أكثر من الراتب!
هذا ما حدث فى ثمانينيات القرن الميلادى الماضى، ولايزال يحدث حتى الآن «بعد الثورتين» حيث لا يكاد يمر شهر من دون القبض على محتال جمع الملايين فى هذه المحافظة أو تلك بدعوى توظيف الأموال، والمذهل تكرار هذه الجريمة، وكأن الناس لا تقرأ ولا حتى تسمع عن هؤلاء المحتالين الذين يفرون بأموالهم عادة خارج البلاد.
وقد كانت هناك محاولة جادة لإصلاح التعليم فى مصر عندما تولى أحمد فتحى سرور وزارة التربية والتعليم فى التسعينيات، وتم وضع مجلد كبير كان خلاصة أبحاث أكبر العلماء وبدعم من حكومة فرنسا، ووقتها قيل إن فرنسا لاتزال تصر على أن مصر «فكرة» فرنسية منذ اكتشف شامبليون اللغة المصرية القديمة، وفجأة ترك سرور الوزارة وأصبح رئيساً لمجلس الشعب، وبعد ربع قرن ويزيد نقول الآن ليتنا خضعنا لفرنسا.
التقيت الأستاذ سرور مرة واحدة فى حياتى منذ حوالى عشر سنوات فى صالة الدرجة الأولى فى مطار القاهرة، وعرفته بنفسى، فرحب بى، وسألته أين ذهبت خطة إصلاح التعليم، فاحمر وجهه وقال هذه حكاية طويلة! ليس لدىَّ أدنى شك أن هناك من يستفيد من حالة التعليم الكارثية المستمرة، وبالتالى يقف بضراوة ضد إصلاح التعليم، أى ضد المستقبل، والخطوة الأولى هى الحرب ضد هذه العصابات ومراكز القوى داخل وخارج وزارة التربية والتعليم، وهى حرب لا تقل أهمية ولا تقل ضراوة عن الحرب ضد داعش مصر فى سيناء.