كان مسلسل الزميل العزيز محمد السيد صالح فى «المصرى اليوم» طوال شهر رمضان عن حياة أحمد حسنين باشا (1889 - 1946) ممتعاً ربما أكثر من أى مسلسل تليفزيونى، بل إن حياة الباشا الحافلة بالعديد من الأحداث المثيرة تصلح تماماً لأن تكون مسلسلاً تليفزيونياً من الطراز الذى يجمع بين «الأرفع والأنفع» على حد تعبير توفيق الحكيم (1898 - 1987)، فحياة الباشا أيضاً صفحة مهمة من تاريخ مصر الحديث.
عندما أقوم بزيارة أى أرشيف أو مكتبة فى أى مكان أبحث عن الأفلام المصرية، وخاصة الصامتة، وعندما قمت بزيارة مكتبة الكونجرس الأمريكى فى واشنطن عام 1997 علمت أن هناك فيلما صامتا أنتج عام 1937 فى أرشيف متحف الفن الحديث فى نيويورك يحمل رقم 16109، واتصلت إدارة المكتبة بالمتحف، وتم تحديد موعد لمشاهدة الفيلم فى المتحف، بل إن المخرج فيكتور ستولوف سوف يحضر العرض، وكانت هذه مفاجأة كبرى حتى إننا بعد مشاهدة الفيلم والحوار مع ستولوف قمت بإعداد بحث نشر تحت عنوان «معجزة فى نيويورك» فى كتابى «فصول من تاريخ السينما المصرية» الذى أصدرته وزارة الثقافة عام ٢٠٠٢، وتطرق البحث إلى أحمد حسنين باشا لأن الفيلم أول فيلم صور فى واحة سيوة.
كانت أول محاولة لاكتشاف الصحراء الغربية هى التى قام بها الرحالة الألمانى رولفس عام 1879، ولكن الرحلة لم تتم لشكوك سكان الواحات فى مقاصده واختلف الأمر عام 1921، ورحبوا بأول رحالة مصرى جاء إليهم ذلك العام، وهو أحمد حسنين، والذى قام برحلة ثانية عام 1923 حتى أطلقت عليه الصحافة المصرية «رجل الصحراء».
وفى احتفال كبير بدار أوبرا القاهرة يوم 19 نوفمبر عام 1923، ألقى أحمد حسنين محاضرة مصحوبة بصور على الفانوس السحرى عن رحلتيه حضرها الملك فؤاد، وبعد المحاضرة أنعم عليه بلقب «بك» وفى عام 1925 أصدر الرحالة المغامر كتاباً عن رحلتيه بعنوان «فى صحراء ليبيا» باللغة العربية، وبعنوان «الواحة المفقودة» بالإنجليزية «The Lost Oasis»، ولم يكن ذلك غريباً، وقد تخرج فى جامعة أوكسفورد فى لندن عام 1914.
وعندما ذهب ولى العهد فاروق للدراسة فى لندن كان أحمد حسنين هو راعيه، وعندما تولى فاروق حكم مصر عام 1937 اختار معلمه رئيساً للديوان الملكى عام 1940، وأنعم عليه بلقب الباشا، ومن البدهى أن الباشا كان وراء تصوير أول فيلم صور فى سيوة عام 1937 فى الصحراء التى اكتشفها، وإن لم يذكر اسمه فى عناوين الفيلم، وفى نهاية رواية «المريض الإنجليزى» يشير مؤلفها مايكل أونداتجى إلى أنه اقتبس من مقال أحمد حسنين بك «عبر الكفرة إلى دارفور» المنشور بالإنجليزية عام 1924 فى وصف العواصف الرملية، وأنه استفاد منه لاستحضار صحراء الثلاثينيات، والمعروف أن الرواية تحولت إلى فيلم أخرجه أنتونى مينجيللا عام 1997 ويعتبر من روائع السينما العالمية.