تشير قراءة التاريخ إلى أن قانون الكون هو التغيير.. فدوام الحال من المحال.. كما أن قراءة الأحداث السياسية في المنطقة على أرض الواقع تؤكد حدوث مجموعة من التغيرات في علاقاتنا بإسرائيل وكما يقول المثل الشعبي عدو عدوي حبيبي.. ومن ثم فإن البداية كانت بموافقة إسرائيل بعد اتصالات دبلوماسية رفيعة المستوى على خرق مصر لمعاهدة كامب ديڤيد وإدخال قوات عسكرية ضخمة وأسلحة وآليات بأعداد كبيرة من أجل القضاء على العدو المشترك.. حتى وإن كان لإسرائيل علاقة مباشرة بهذه التنظيمات المسلحة ولكن ما تزال ساحة هؤلاء المرتزقة غير مأمونة ويمكن أن ينقلبوا على من صنعهم في أي لحظة.. وهكذا تستهلك مصر قواها وتستنزف جهود جيشها وأموال الاقتصاد لمحاربة الإرهاب بينما تظل إسرائيل هادئة الأعصاب تراقب ظاهرياً في صمت.. ولكن بعد قضية تيران وصنافير لم يعد هناك مجال للشك في أن التقاء المصالح بين إسرائيل ودول المنطقة أقرب للحقيقة من العداء معها وأن عودتهما للسعودية ربما يخدم مصالح إسرائيل أكثر من تبعيتهما لمصر وهذا قد يفسر سبب الإصرار السعودي على المطالبة بهما وتعريض النظام المصري لكل هذه الصراعات دون قدرة على التصريح بالسبب الحقيقي وراء التنازل بسهولة عنهما.. تلا ذلك دعوة السيسي من أسيوط للسلام والاعتراف الإسرائيلي ومن ثم الدولي بدولة فلسطين وعدم الاعتراض على قيامها في ظل تحركات إسرائيلية إعلامية مراوغة.. كاستبدال وزير الدفاع بآخر يميني متشدد.. وفي ظل الصراع الساكن حول ملف سد النهضة وعدم اتخاذ أي إجراءات من شأنها إحداث تغيير في مجريات الأحداث.. خاصة وأن المنتشر من معلومات حول هذا السد أن تمويله إسرائيلي..
الموقف لاشك صعب فنحن نترك مياه النيل للتلوث ولا نحاسب من يتعدى عليها ولا نهتم بإزالة العوالق ونسمح بمرور مراكب قديمة ومتهالكة ونسمح باستخدامه كمجرى ملاحي ينقل مواد خطرة كالفوسفات وغيره.. ومن ثم تأخذ علينا إسرائيل أننا نترك الماء العذب ليذهب جفاء في البحر في الوقت الذي يعانون هم في إسرائيل من ندرة المياه..
ولو كانت مصر قد وافقت على وصول ترعة السلام لإسرائيل لما كان هناك شيء اسمه سد النهضة الآن.. فما هو إلا وسيلة ضغط على مصر لترضخ!
وأخيراً تؤكد جولة نتنياهو الحالية في أفريقيا بما لا يدع مجالاً للشك وطلبه الانضمام للاتحاد الافريقي مع أن دولته تقع في قارة آسيا أن الطلب القادم بعد موافقة الاتحاد الافريقي على ضم إسرائيل سيكون حصة رسمية من نهر النيل وحزمة مساعدات اقتصادية للدول الأفريقية مثل البقرة الأكثر حليباً في العالم وما إلى ذلك من مساعدات غذائية كلها تؤكد سهولة الطموح الأفريقي وبساطته.. ومما لا شك فيه أن ذلك إذا حدث فستتغير قواعد المصالح إلى العكس تماماً، وستتحسن حالة نهر النيل كثيراً بدلاً من تحوله لمستودع نفايات ومخلفات وستحدث طفرة كبيرة في جودة مياه النيل وستوقع عقوبات حقيقية لمن يلوثه أو يتعدى عليه وسيتم تنظيف حقيقي لمساره من المنبع حتى تفريعة السلام ففي النهاية قد نصبح محاصرين في معادلة «النيل مقابل السلام».. وإذا كانت الأحداث تسير في هذا الاتجاه فمن واجب النظام الآن التحرك سريعاً أو على الأقل تمهيد الرأي العام للأمر وعدم الاكتفاء بطريقة الحكم بالصدمات.. خاصة وأنها تسببت في صدمة قوية أصابت قلب الوطن بشلل مؤقت لم تزل آثاره سارية المفعول حتى الآن.