اللهم لا حسد.. زيارتان في ستة أشهر معدل جميل نتمنى استمراره ولكن مازالت الزيارات الرئاسية للأوبرا غير خالصة للثقافة والفن.. ولكنها ثقافة وحاجة.. ثقافة وروسيا.. ثقافة وبرنامج تأهيل الشباب.. ثقافة وشباب ورياضة وعلى الرغم من التقدم والأداء المتميز الذي تشهده وزارة الشباب إلا أن دورها لم يكن واضحاً في الاحتفال الفني بذكرى ثورة ٣٠ يونيو.. والحقيقة يا ريس أنه تلاحظ مؤخراً اقتران الثقافة بملفات أخرى مثل الشباب والرياضة وتنمية المجتمع مثلما هو الحال ببعض الدول الشقيقة وذلك يعكس بعض المخاوف من رؤية جديدة للدمج بين هذه الملفات.. وهو ما قد يتناسب مع دولٍ لا تمتلك ما تملكه مصر من تراث حضاري وفكري وفني لا تمتلكه أي دولة في العالم.. ومثلما أشرت بكلمتك مستنهضاً ذلك الميراث العظيم «موش هيا دي مصر.. وأن ما شهدناه هو ميراث خمسين عاماً مضت».. والحقيقة يا ريس أنه ميراث مائة عام وليس خمسين فمن وردت أسماؤهم وصورهم وبطولاتهم الوطنية وأشعارهم وأغانيهم وألحانهم ومجدهم الفني العظيم من أمثال سعد زغلول ومحمد نجيب وجمال عبدالناصر وسيد درويش وطه حسين قد بدأوا منذ أكثر من قرن مضى من الزمان ومع ذلك لم نجد أفضل من تراثهم القومي أو الفني لتقديمه ولاشك في أن إشارتك المباشرة لدفع الأطفال المشاركين في الحفل لمقدمة الحدث على المسرح ورسائلك لهم بالحفاظ على الوطن وإدراك قيمته الحقيقية، وأن نتاج جهودك العظيمة منذ 30 يونيو 2013 هم من سيجنون ثمارها.. ولكن ذلك لن يتحقق إلا بممارسة هذه الفنون الراقية بالمدارس وعودة الأنشطة الفنية كجزء أساسي من التعليم والتربية فليس بالكتب والدروس والحفظ والمعلومات والشهادات فحسب ترتقي الأجيال.
والحاجة الآن أشد من أي وقت مضى لكي نحتفل بالأدب والفن الرفيع الذي يرتقي بالذوق ويبعث على الاحترام والتفاهم والارتقاء بالمجتمع ورفع الوعي الجمعي للمصريين من أجل دفع مصر للأمام لتقترب من مكانتها التاريخية والحضارية التي كانت ومازالت الجهود المضنية لاستعادة تلك المكانة تشهد تقدماً ولكنه ليس بالمعدل المطلوب. ولعل أهم دليل على أثر الفن ما نشهده في شاشات التليفزيون من معارك وبلطجة وغيرها من أشكال تدني الفن ولا نلبث أن نشاهد أثرها في قصة شعر (حلاقة) أو فضيحة رجل بقميص نوم حريمي مجرّساً في شوارع البلدة وغيرها.. وبدلاً من أن يرتقي الفن بالمجتمع للقمة فإذا به يهبط به للقاع ولم نتحرك بعد لإنقاذه!! ولعلك لاحظت رسائل الفنان أشرف عبدالغفور في أوبريت ثورة شعب مؤكداً مراراً وتكراراً إن الوطن بشر وفكر ووعي أيضاً وليس مبان ومشاريع فحسب على أهميتها القصوى دون شك لبناء الدول.
مازلنا ننتظر منك زيارة خاصة لتكريم رواد الفكر والأدب والفن الرفيع في مواجهة الفكر الخبيث والفن الهابط الذي يتدنى بالذوق والأخلاق.. فالشعوب ليست أرقاماً وطعاماً ينتهي ببزوغ شمس يوم جديد فحسب.. إنما الثقافة والفكر والأدب والفن هم طعام الروح وبهجتها.. فإن غابوا غابت الروح وإن تدنوا انهارت القيم والأخلاق ونحن في أشد الحاجة إليهما الآن. وكنا قد سمعنا عن تحركات رئاسية لدفع الإنتاج السينمائي كي ينطلق في مسار جديد يعيد للدولة مكانتها وصورتها الزاهية ويروج لقيمها وبطولات أبنائها وعودتها الحقيقية من أيدي المختطفين ولكن لم نسمع عن هذا الأمر شيئاً.. شكرًا لحضورك الدوري لدار الأوبرا.. ولاشك أن استقبال رواد الثقافة والفن الأسطوري لك حدث جدير بالحضور والتقدير.