أخيراً التقى الرئيس بالمثقفين .. بعد عام ونصف مضيا على آخر لقاء دوري في ٢٠ ديسمبر ٢٠١٤ مع نفس المجموعة تقريباً مع بعض الاختلافات .. وعرض عليهم رؤيته لأحوال البلاد كافة واستمع لرؤاهم التي تباينت بطبيعة حال التيارات الثقافية مابين حديث الأب للأبناء أو الحرية للمعارضين وضبط الإعلام وحماية الإبداع من مقصلة القضاء والاقتصاد والتعليم والأمن القومي إلى غير ذلك من القضايا .. ومثلما استمع إليهم ولمطالبهم الإيجابية كانت له هو أيضا طلباته .. بإعداد برامج وآليات لتنفيذ هذه التنظيرات في كل المجالات
وهنا يأتي السؤال .. لماذا توقفت اللقاءات ١٥ شهراً اذا كان المثقفون معنيون بكل هذه الملفات ..
والحقيقة أن كل ما طلبه الرئيس من تصورات ورؤى قد قالها هؤلاء المثقفون بالفعل في اجتماعاتهم بالمجلس الأعلى للثقافة وفي لجانه التخصصية المختلفة فهل عرضت تقارير عما انتهت إليه رؤى هذه اللجان على الرئيس!!
أما آليات التنفيذ فالرئيس على علم بأحوال الثقافة وما تعانيه من قصور كبير شأنها شأن غالبية مؤسسات الدولة المصرية .. وليس القصور في الوزير أو في رؤساء الهيئات ولكن في طوابير موظفيها الذين يحتجون أو يضربون عن الطعام من أجل الحصول على زيادات مالية أو بدل طبيعة عمل .. ومعهم كل الحق .. فلا أحد يعمل في وظيفته كما في إعلان بنك مصر "اشتغل شغلتك واحنا هانمولك" .. ويأتي الحق لهؤلاء في الاحتجاج متماشياً مع تعيينهم منذ البداية بمؤهلاتهم غير المتخصصة في الفن والأدب ومتماشياً مع عدم توافر مقر لعملهم .. فإذا لم يكن للعامل مقراً مجهزاً يعمل به فبالتأكيد سيعمل عملاً غير المنوط به تنفيذه مما يستلزم الحصول على بدل طبيعة عمل!! هكذا هو الحال في أهم الأجهزة الثقافية للدولة حوالي ٣٠٠ مليون جنيه ميزانية موزعة على ١٧ ألف موظف بنسبة تخصص فني وعلمي لا تتجاوز ٢٠٪ موزعة على ٥٦٠ موقعاً ما بين بيت وقصر للثقافة ثلثهم خارج الخدمة بالكامل وثلثهم الآخر يعمل بنسبة قليلة من طاقته .. هذا بخلاف بقية أجهزة الثقافة ! المكدسة بكل أنواع التخصصات غير المطلوبة
وعلى الرغم من كل ذلك يبقى السؤال : "هل خصصت الدولة مساحة لبناء قصور للثقافة في مشروعات الإسكان الاجتماعي الجديدة ؟" أم اكتفت ببناء المسجد والتوجيه الرئاسي لاحقاً ببناء الكنيسة؟ وهل تم توجيه الأموال المخصصة للمشروعات الإنشائية في الموازنة لذلك أم أن الأمور متروكة لتلاعبات "التخطيطيين" والمراقبين الماليين الجهنميين؟
يا سيادة الرئيس .. الرؤى الاستراتيچية للثقافة موجودة في حوارات المثقفين وفي لجان المجلس وغيرهم .. ويمكن للجميع أن يقترح الأفكار والرؤى .. أما الكوارث المالية والإدارية والتقنية والبشرية المنوط بها تنفيذ هذه الرؤى الاستراتيجية التنظيرية؛ فهي معلومة لسيادتكم إذاً ما هو المتوقع الوصول إليه من نتائج قبل حل هذه العراقيل .. وإذا لم يتم حل هذا التكدس البشري حلاً جذرياً قبل البدء في أية إصلاحات ثقافية للعقل البشري فلا أمل في المسكنات الثقافية الموضعية.