بدا الضيق على الطبيب الإستشارى، وهو يسأل المريض، أين التشخيص؟ فأجابه «دى الروشتة اللى كتبها الدكتور»، ورد عليه الاستشارى «دا علاج للضغط والسكر والأملاح ..إلخ، ودى أعراض لمرض لكن مفيش تشخيص للمرض نفسه».. كتب الطبيب قائمة بأشعة وتحاليل، وأوصى بوقف تعاطى الأدوية لحين ظهور النتائج.. وكان المريض قرر الذهاب للاستشارى بعدما تيقن أن حالته تزداد سوءاً بعد شهر من المتابعة مع الطبيب الأول.. نظر الاستشارى لنتائج الأشعة والتحاليل المطلوبة، وكتب علاجاً للإلتهاب الكلوى.
تدوى صفارات الإنذار، وتظهر دعوات عديدة لإنتخابات رئاسية مبكرة، تقفز عدة أسئلة، وينبثق عنها العشرات، ولكن لا يعرف أحد لماذا كثر الحديث عن الإنتخابات الرئاسية المبكرة مؤخراً؟ وما هي أسباب ذلك؟ وما الآليات التي يترك بها الرئيس السيسى السلطة؟
تتزامن الدعوة للإنتخابات الرئاسية المبكرة مع تفاقم الأزمة الإقتصادية وأبرز آثارها تآكل الإحتياطى من النقد الأجنبى وإرتفاع سعر الدولار وزيادة الدين العام لمعدلات غير مسبوقة، كما تتزامن أيضاً مع أزمة مصر مع الإتحاد الأوروبى بعد تقريره عن أوضاع حقوق الإنسان عقب مقتل الطالب الإيطالى«ريجينى».
يمكن تحليل الدعوة للإنتخابات الرئاسية المبكرة ودوافعها إذا ذكرنا أبرز دعاتها وهم، الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والمهندس ممدوح حمزة والدكتور عبدالخالق فاروق والدكتور سعد الدين إبراهيم والإعلامى توفيق عكاشة والفنان خالد أبوالنجا والسفير عبدالله الأشعل، وبالنظر لهؤلاء فستجد أن منهم المحسوب على الثورة والقريب من فكر جماعة الإخوان، والقريب من أجهزة الدولة، والذى تربطه علاقات بمسؤولين أمريكيين، ويمكننا إرجاع أسباب تلك الدعوة وفقاً لإهتمامات أصحابها لمشاكل إقتصادية ودولية وسياسية وأمنية وإجتماعية، وجميعها تصب في خانة عدم الرضا عن الأوضاع التي وصلنا لها بعد ثورتين.
«ينفع أحج من غير ما أقف بجبل عرفة ياعم الشيخ؟»، رد الشيخ «مينفعش»، فأجابه بسعادة المنتصر «تصدق عملتها ونفعت».. «كل الخبرا قالوا ما ينفعش تتعمل قناة السويس في سنة.. إنتوا إزاى كده».. لن تعيد إختراع العجلة.. عندما يعترض الخبراء على العمل وتقرر الإستمرار بطريقتك فإن نجحت في خطوة فبالتأكيد ستكون تداعياتها وما يبنى عليها من خطوات هي أزمة الدولار وكساد الأسواق وإفلاس الشركات وغيرها.
يراهن بعض الداعين للإنتخابات المبكرة على تفاقم المشكلات الإقتصادية والدولية، ولا يتوقعون بالتأكيد أن يستجيب الرئيس لدعوتهم بمجرد تصريح في وسائل الإعلام، ولم يحدد أحد منهم آليات إجرائها، وخصوصاً مع تعامل نظام الحكم مع المشكلتين على طريقة «أعداء الوطن يجمعون الدولارات، والغرب يتجنّى على مصر».
لا توجد جدية في دعوات الإنتخابات المبكرة، ولو كلف أحد الداعين للإنتخابات نفسه وقرأ الدستور لوجد أسباباً يمكن أن يتم التعويل عليها لإجرائها، أبسطها وصف الدستور بأنه «تمت كتابته بالنوايا الحسنة»، والأشد بساطة هو قرار إقالة المستشار أحمد الزند، وزير العدل السابق، والذى لم يتم أخذ موافقة مجلس النواب عليه بالمخالفة للدستور، وبالطبع لا يعنينا الزند هنا، ولكن ما يعنينا هو الإشارة لمخالفات دستورية يمكنها التعجيل بالإنتخابات، ولو كانت الدعوة للإنتخابات جادة لاستهدف أصحابها أعضاء مجلس النواب بهدف سحب الثقة من الرئيس والإستفتاء عليه وفقاً للدستور.
ويطلق البعض الدعوة للإنتخابات المبكرة بهدف «دق الأجراس» للرئيس بخطورة الأوضاع بعدما عجزوا عن إختراق دائرة أهل الثقة حوله، بينما يطلقها آخرون بهدف منع الرئيس من التفكير في الترشح لفترة جديدة خصوصاً مع قرب مرور نصف مدته في الحكم.
يدرك المواطن من خبراته المتراكمة من سنوات الثورة أن تغيير الأشخاص لا يعنى تغيير السياسات، وأن أوضاعه المعيشية ساءت بعد 30 يونيو عن 25 يناير، وبعد يناير عن عهد مبارك، بعكس المأمول، لذا فالرهان على قيام ثورة لإجراء الإنتخابات المبكرة هو رهان فاشل، ويفضل الناس الصبر على الرئيس حتى يقوم بتغيير سياساته أو تنقضى مدته الرئاسية.
ويعى الرئيس جيداً خطورة الأوضاع الآن، ويفهم بخبرته معنى «دق الأجراس»، وسيتجاوب معها، إما بعمل لقاءات مع النخب لتهدئة الأوضاع، أو يتخذ الطريق الأصعب ويسارع بالإعتراف بمشكلات حقوق الإنسان والمشكلات الإقتصادية والأمنية والسياسية والدولية والإجتماعية ويستعين بأهل الخبرة لحلها، فهو بين خيارين إما إعطاء المسكنات لعلاج الأعراض ويترك المرض يتفاقم أو يبادر بعلاج المرض ذاته.