x

حمدي قاسم إحنا اللي خليناك تقول «إنتوا مين»! حمدي قاسم الخميس 03-03-2016 21:46


أتخيل اجتماعهم الأول بعد خطاب الرئيس السيسى في احتفالية «رؤية مصر 2030»، وهم جالسين حول طاولة الإجتماع يضحكون سعداء، يتلذذون بشرب الشاى كأنه نخب الإنتصار.. يقول أحدهم «هو فاكر وهو بيقول أشيلكم من فوق وش الأرض إننا هنخاف؟».. يجيبه الآخر مبتسماً «ولا وهو بيقول (إنتوا مين).. ههههههه.. إحنا اللى خليناك تقول إنتوا مين أريس».. يرد ثالث «أحلى حاجة وهو بيقول للناس ما تسمعوش كلام حد غيرى».. يقطع الجالس على رأس الطاولة الضحكات بصوت حاد جاد حاسم قائلاً: «شايفين الخطوة الجاية إيه يا سادة؟» يسود الصمت لحظة.. يقول أحدهم «زى ما احنا ماشيين.. الخطاب بيأكد إننا على الطريق الصح».. يوافقه آخر.. ويقول ثالث «أخيراً حس إن البلد فيها مشاكل، لكن لسة مش معترف بدوره في صنعها، ولا إنه ممكن يوقع البلد، وشايف إن لازم الناس تتحمل المشاكل دى، وعايزنا نساعده، رغم إنه عارف إن ولائنا للبلد بس تحسباً لأى خطر حتى لو كان هو نفسه مصدره».

كان خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى في احتفالية «رؤية مصر 2030» يشبه (لوحة سريالية) ينظر إليها مجموعة من الأشخاص فيخرج كل منهم بانطباع مختلف عن الآخر، وعما قصده رسام اللوحة ذاته، وربما يكون من بين هؤلاء الأشخاص شخص لم يفهم أي شيء من اللوحة، واعتقد أنها «شوية شخابيط»، ولكن بالتأكيد الخطاب بألفاظه رسالة موجهة إلى من أسماهم الرئيس الراحل السادات في بدايات عهده بـ«مراكز القوى»، والرئيس المعزول محمد مرسى بـ«الصوابع اللى بتلعب»، ويعرفون حالياً بـ«صراع الأجنحة»، وحمل رسالة واضحة إلى المعنيين بها وهم أقدر على فك طلاسمها من بين الألفاظ المثيرة للجدل بالخطاب، والتى لفتت انتباه الداعمين والمعارضين.

أرى عبارة «إحنا النهاردة هنقطع مصر ولا إيه؟» ولفظ «هئه» الذي أتى بعد عبارة «إنتوا مين»، هما أهم ما جاء في الخطاب على الإطلاق، فالأولى تدل على أن المعنيين بهذه الرسالة هم فقط «مراكز القوى» أما «هئه الساخرة»، فتدل على الاستهزاء بهم في رسالة مفادها «إنتوا مين، وطلعتوا إمتى عشان تلاعبونى!.. على بابا يا بابا.. بلاش تبيعوا المية في حارة السقايين.. اعرفوا حجمكم.. أنا أقدر أنسفكم.. يا تكونوا معايا يا تسكتوا للأبد، وبلاش تحبطوا الناس بظروفهم الصعبة».

أعتقد أن أشد العبارات غموضاً في الخطاب هي الأكثر وضوحاً للمستهدفين بالرسالة «إحنا النهاردة هنقطع مصر ولا إيه؟.. خلو بالكم أنا مش هأسمح بكده.. محدش يفكر إن طولة بالى وخلقى الحسن معناه إن البلد دى تقع.. قسماً بالله اللى هيقرب لها لأشيله من فوق وش الأرض.. أنا بقولكوا كلكو لكل مصرى بيسمعنى.. إنتوا فاكرين الحكاية إيه.. إنتوا مين.. هئه.. عايزين تخلوا بالكم منها معايا أهلا، مش عايزين لو سمحتم.. اسكتوا.. وأنا لما بقولكم كده ما بشككش في حد.. بس خللى بالك إنت بتتكلم مع كل المصريين بكل ظروفهم.. أنت بتفقدهم معنوياتهم ليه؟«.

تعنى «السريالية» التعبير عن العقل الباطن بطريقة تلقائية نفسية خالصة، إما شفوياً أو كتابياً أو بأي شكل آخر، بطريقة بعيدة كل البعد عن أي تحكم خارجي، أو مراقبة تمارس من طرف العقل.. وعبر الخطاب عما يدور في العقل الباطن للرئيس، لذا اختلفت التفسيرات حوله بشكل يمكن أن يجعلنا نصفه بـ«الخطاب السريالى»، لإختلاف التفسيرات حوله، فهناك من اعتبر أن الرئيس كان «غاضباً» وآخرون «مُهدِداً» وغيرهم «خائفاً».

نعود للإجتماع التخيلى، يسأل أحد الحاضرين «تفتكروا مين (الحد) اللى كان بيقصده بعبارة (اسمعونى أنا بس، وما تسمعوش لحد تانى)»، يجيب الجالس بجواره «أكيد بعض الإعلاميين من رجالتنا، وبيوجه رسالة للمواطنين إما أنا أو (هدم-هد-إنهيار-تدمير) الدولة، اللى كررها حوالى 10 مرات».

يقول أحد المشاركين في الإجتماع «لا يجب أن ننسى أنه أشار لإنجازات أهمها الكهرباء والطرق»، ويرد زميله «ولازم نقول إن أحد أسباب حل أزمة الكهرباء هو إغلاق المصانع نتيجة الإدارة الإقتصادية اللى أثرت على إقتصاد البلد وأكلت إحتياطى العملات الأجنبية ودمرت قيمة العملة»، ويقول آخر «ومش عايزين ننسى إنه أعلن انحيازه لحكومة ملهاش أي دعم شعبى، وكمان إنه اعتبر تجاوزات أمناء الشرطة حالات فردية رغم أن كل الناس بتعتبر إنهما ممكن توقعه شخصياً».

يسأل الجالس على رأس الطاولة مجدداً «رأيكم إيه في دعوة صبح على مصر؟»، يجيبه الجالس على يمينه «ردود الأفعال اختلفت.. إللى يقول هيوزعها مكافآت على الشرطة والقضاة.. واللى يقول طلعى مسجون بكل جنيه، أو هيبنى بيها سجون.. بس ما لاحظتوش عبارة (وأعلم ما يدور بعد 30 شهر ليس فقط في سيناء لكن في كل مصر)؟، طبعاً فاهمين إنه يقصد ميعاد إنتخابات الرئاسة الجديدة».

مر على الرئيس السيسى أكثر من عام ونصف في السلطة، لم يستطع أن يتخلص من أسلوب القائد العسكرى الذي يلقى بالتعليمات وعلى الجميع التنفيذ، وهو ما يتضح مما يقوله في خطاباته أنه «يعلم أشياء لكن لا يريد أن يقلق الناس»، بأسلوب يدل على أنه لم يتأقلم بعد مع كونه «رئيس» يجب أن يتمتع بالشفافية، ويقدم كشف حساب لشعبه.

ويعتقد المشاركون في الإجتماع التخيلى أن البلد على حافة الخطر، وأن الرئيس لا يسمع غير رجاله المقربين، والإقتصاد على وشك الإنهيار، والمواطنون أنهكهم غلاء المعيشة ولا يمكن الضغط عليهم أكثر من ذلك، وإذا حدث الإنفجار فلن يكون هناك آمن في هذا البلد، وأرى أنهم يخطئون عندما يتحركون بنفس الآليات القديمة التي يفهمها الرئيس جيداً، فلم يشعر بخطورة الأوضاع، وإنما شعر بتحركاتهم فقط.

يستطيع الرئيس وحده حل إشكالية «صراع الأجنحة» لو قرر أن يدير البلد بشفافية، ويرعى الفصل بين السلطات وفق الدستور ولا يتغول عليها، ويسعى لتطبيق العدالة، ويسمع للكل وليس فقط لأهل الثقة، ويستعين بأصحاب الخبرة القادرين على إتخاذ القرارات في كل المواقع ويحاسبهم على القرارات التي يتخذونها لا على تنفيذ قراراته، ويجب أن يعى أنه يستطيع دخول التاريخ لو اعتقد أن الديمقراطية يمكن أن تتحقق في عهده وليس بعده بعقود من الزمان.. ووقتها لن يكون هناك مبرر للخوف من حدوث الانفجار، والذى إن حدث فلن تجدى عبارة «أبيع نفسى»، وحتى إن باع فلن يجد من يشترى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية