استوقفنى اليوم هذا الخبر«أصدر المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، قراراً يتخصيص قطعة أرض مساحتها 10 أفدنة فى مركز إدكو بمحافظة البحيرة، لوزارة الداخلية، بغرض إنشاء سجن مركزي جديد»، ولفت نظرى عند البحث عن تفاصيل الخبر أن القرار تم توقيعه بتاريخ 31 ديسمبر 2015.
احترتُ فى سر تأخر الإعلان عن بناء هذا السجن لأكثر من شهر ونصف بعد توقيع القرار، وباستمرار البحث على الإنترنت، اكتشفت أنه سبق تخصيص قطعة أرض فى ديسمبر الماضى مساحتها 103 فدان بطريق «القاهرة-أسيوط» لصالح وزارة الداخلية أيضاً لاستخدامها في إقامة سجن مركزي وملحقاته ومعسكر لإدارة قوات أمن الجيزة ومركز تدريب وتبة ضرب نار وقسم لإدارة مرور الجيزة.
أعتقد أن سبب تأخر الإعلان عن إنشاء السجن الجديد فى الغالب هو الرغبة فى عدم إثارة الناس، أو ربما عدم إثارة دول العالم بأوضاع حقوق الإنسان فى مصر، بكثرة عدد السجون التى يتم بناؤها فى الفترة الأخيرة.
توصلت من خلال البحث على الإنترنت أنه يوجد عدد السجون كبير تم ويتم إنشاؤها خلال السنوات الثلاث الماضية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، أنه تم الإعلان فى نوفمبر 2014 عن تخصيص قطعة أرض مساحتها 10 أفدنة لبناء سجن الصالحية العمومى، وتبعها الإعلان فى يونيو 2015 عن إفتتاح سجن مركزى بمدينة 15 مايو على مساحة 25 فدان، وافتتح وزير الداخلية سجن الجيزة المركزى بتاريخ 30 ديسمبر 2014، وأصدر قراراً بتاريخ 16 مارس 2014 بانشاء سجن ليمان المنيا وسجن عمومى شديد الحراسة بالمنيا أيضاً، وفى أغسطس 2013 تم الإعلان عن انشاء سجن ليمان جمصة على مساحة 10 أفدنة، والذى ذكرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان أنه يتكلف 750 مليون جنيه.
دعنى أحدثك عن مركز إدكو، الذى يحاول أهله منذ عشرات السنين إقامة مدينة سكنية للشباب ومنطقة صناعية، وأرجو أن تضع نفسك مكانهم، إذا علمت أنه لم تتحقق مطالبهم وإنما الذى تحقق هو تخصص ألفى فدان لصالح ضباط الشرطة لتوزيعها عليهم، وإنشاء معسكر للأمن المركزى على مساحة 25 فدان، وأخيراً 10 أفدنة للسجن المركزى، وحتى شركات البترول والغاز المقامة على أرض المركز كان أغلب العاملين فيها من خارج المركز.
أعلم أن متخذى القرارات سيسوقون الكثير من المبررات لبناء كل هذا العدد من السجون الجديدة التى تتكلف مليارات من أموال الشعب، فى الوقت الذى توجد أوجه إنفاق عامة بالموازنة فى أشد الحاجة لتلك الأموال، ولكن دعنا نتمنى أنه تم بناء مصانع لتشغيل الشباب بدلاً من تلك السجون، والتى لا تقف تكلفتها عند مجرد البناء، فالمبانى بحاجة إلى حراسة وإدارة وأيضاً تكاليف رعاية وإطعام المساجين.
دعنا نتخيل لو تم بيع تلك الأراضى بالمزاد العلنى، وما يمكن أن تدره من دخل لصالح الموازنة العامة للدولة يمكن أن يساهم فى سد جزء من عجزها، بدلاً من سدها من جيوب ملايين البسطاء الذين يدفعون تكلفة تخفيض دعم فواتير المياه الكهرباء والغاز من قوت أولادهم.
دعنا نتخيل أيضاَ لو تم الإعلان عن إنشاء شركات على تلك الأراضى بهدف الحد من البطالة، سواءاً كانت تلك الشركات حكومية أو مساهمة بين الحكومة والمواطنين والبنوك والمستثمرين، وتساهم فيها الحكومة بقيمة الأرض.
الآن دعنا من التخيلات، ولنسأل سؤالاً مباشراً نريد له إجابة كم عدد المليارات التى تم توجيهها لبناء سجون فى الموازنة الحالية أو الموازنة السابقة، وفى المقابل ما قيمة المبالغ الأخرى التى تم توجيهها للصحة والتعليم وغيرها، وأيضاً ما قيمة المبالغ التى تم توفيرها من تخفيض الدعم وأوجه إنفاقها، فليس من المعقول أن نخفض الدعم لصالح بناء السجون.
توجد حلول بديلة لبناء هذا العدد من السجون بالتأكيد، مثل إلغاء قانون التظاهر الذى سيُخلى أماكن لآلاف المساجين الجنائيين، أو تبنى الحكومة عرض تشريعات على مجلس النواب، لتسمح بأن تصبح نصوص الكثير من العقوبات إما غرامة مالية، أياً كان مبلغها، أو السجن الذى يُكلف الدولة بالتأكيد مصروفات إنشاء وإدارة السجون ورعاية المساجين.. ولكن للأسف هناك من يريد عن جهل منه بكيفية إدارة أموال الدولة، أن تصبح تلك الفترة الحالية من تاريخ مصر منذ 25 يناير وحتى الآن هى أزهى عصور بناء السجون.