x

حمدي قاسم عايزين رئيس ياباني حمدي قاسم الجمعة 11-03-2016 21:29


إشترى أحد أقاربي جهاز تلفزيون مصنوع باليابان، عندما كان عائداً من أداء مناسك الحج، وظل هذا الجهاز لأكثر من 20 عاماً لم يتعطل، ويوجد خلف صناعة هذا الجهاز بالتأكيد نظام يضمن جودة صناعة هذا التلفزيون الياباني حتى يعمل طوال تلك المدة دون أن يتعطل، ولكن الأشد تأكيداً أن هناك «نظام» سار عليه نفس «الإنسان الياباني» الذى صنع هذا الجهاز، وهو السبب فى تفكيره فى هذا المستوى من الجودة.
أتشوق لأن يكون لدينا «نظم إدارة دولة» مثل الموجودة في اليابان، وأحلم أن يكون لدينا عدالة وديمقراطية مثل اليابان، وأتمنى أن نجد وزيراً «عنده دم» وينتحر عندما يخطئ كما يحدث في اليابان، وقتها سيبهر الإنسان المصري الرئيس عبد الفتاح السيسي، وربما بشكل أكبر مما أبهره الإنسان الياباني والكوري.
ولن يبهر الإنسان المصرى الرئيس، حتى يبهرالرئيس المصريين أولاً بتطبيق الأسس والقواعد التي تجعل من مصر بلداً يتمتع بالديمقراطية والعدالة والحرية، ليتمكن الإنسان المصرى من أن يعمل ويبتكر وهو يشعر أن نتاج عمله سيعود إليه ولن يسرقه أحد منه.
يبهرني الإنسان المصري، فهو أكثر مرونة في التعامل مع كل النظم المتغيرة فى الداخل والمختلفة فى الخارج، يبهرني تحمله للظلم والقهر في بلده، فإذا ما خرج منها كان "زويل" و"العريان" و"يعقوب"، وغيرهم الآلاف وربما الملايين من الناجحين خارج مصر الفاشلين فيها، ليضع الحقيقة الكاملة واضحة جلية لكل من كان له قلب ينبض أو عين ترى أو رأس يفكر، أن الإنسان المصرى يبدع فى ظل أى نظام يسمح له بالإبداع، ويتعايش مع الأنظمة التى لا تسمح له بذلك.
الإنسان المبدع ليس نتاج رغباته فقط، فكل إنسان يرغب أن يتفوق وينجح، وقد يعمل ولكن تضيح حقوقه مرة تلو مرة تلو أخرى، حتى يتوقف تماماً عن اللحاق بحلمه، ليتحول إلى إنسان سلبى أو روتيني على أفضل الأحوال.
أشعر بعبقرية هذا الإنسان المصري البسيط، في إدارته لأموره، وتعايشه مع منظومة الفساد من حوله في ظل أنظمة متوالية لا تريد إلا بقائها، دون إخلاص للدولة، وكل من يتولى منصب يصبح شاغله هو جمع الراتب والمكافآت والمنح ليؤمن بها مستقبل أحفاده وأحفادهم بعد خروجه من المنصب.
العيب ليس في الإنسان المصري، ولكن في الطمع والأنانية، العيب في استئثار الحكام بالسلطة، واستئثار كبار «المماليك» بالرواتب العليا، بشكل يصل معه دخل «المملوكى» إلى ما يعادل 150 مرة راتب الأغلبية الساحقة من العاملين التابعين لإدارته، وتتحول الأمور بالنسبة لـ«المملوكى» من إدارة منظومة دولة لإدارة إجتماعات ولجان وهيئات بهدف جمع أكبر قدر ممكن من الأموال عن بدلات حضور ورئاسة تلك الإجتماعات واللجان والهيئات.
يريد الرئيس ونحن معه الاستفادة من تجربة التعليم في اليابان، ولكن توجد إشكالية كبرى، وهى أن التعليم الجيد يدفع للابتكار والإبداع، وإذا نقلنا «التجربة اليابانية» في التعليم، ستواجهنا مشكلة كبرى عند تُخَرِج الطالب «المتعلم وفق النظام الياباني»، والذى سيصطدم بـ«أحد الحالات الفردية الكثيرة لأمناء الشرطة»، أو سيتحطم تحت وطأة الفساد والمحسوبية وغياب العدالة، وفى النهاية لن يصبح أمام هذا الشاب سوى الرحيل عن الوطن أو القيام بـ«ثورة».
يجب على الرئيس السيسي وقد أبهره الإنسان الياباني أن يضحى، ويطبق الأنظمة الإدراية فى اليابان، ويقوم بإرسال رجاله الثقات الذين يديرون البلد من خلاله في دورة تدريبية إلى اليابان ليتعلموا شيئاً عن كيفية إدارة الدولة بأسلوب علمي وعملي وينقلوا خبراتهم للبلاد، حتى تكون مشورتهم عن علم وليست هواية.
يوجد بديل أفضل ربما لن يناسب الرئيس، وهو أن يجمع العلماء والمبدعين والمبتكرين الحقيقيين، الذين تستطيع أجهزته تمييزهم عن المنافقين ومدعى العلم، ثم يعتمد عليهم في النهوض بالبلاد واقالتها من عثرتها، بعد أن يبعد أهل ثقاته الحاليين عن الحكم ويكفيه ما خسره من شعبيته، والتدمير الذى لحق باقتصاد الوطن نتيجة مشورتهم.
لا يستطيع الإنسان أن يعمل ويبتكر دون نظام يمنحه الأمل في المستقبل، ويسمح له بالحرية فى الإبداع، ويطبق العدالة التي تضعه في مكانته التي يستحقها عندما يعمل، ثم يجنى نتاج عمله كاملاً بعدها.
عندما نتحدث عن «الإنسان»، أياً كان، مصرى أو يابانى أو أمريكى أو إسرائيلى، فيجب أن نتحدث عن الدستور والقوانين التي تضمن الحقوق حال تطبيقها على الجميع، ولكن فى بلد لا تطبق الدستور، وانهارت فيها منظومة العدالة، حتى أصبحت تطبق بقسوة على الضعيف، أما القوى فهو فوق القانون، فلا يمكن أن تبحث فيها عن «الإنسان» أو حتى عن «الدولة».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية