x

خالد البرماوي هل تنتهي الصحف المطبوعة في مصر قبل أمريكا؟ خالد البرماوي الثلاثاء 22-03-2016 22:51


في الوقت الذي تقرأ فيه هذه الكلمات، يكون أمام صحيفة الإندبندنت البريطانية ساعات وتتوقف بعدها نهائيًا عن طباعة نسختها اليومية بعد ثلاثين عاما من إصدارها، وفي نفس الشهر ستتخذ صحيفة الباييس الإسبانية الشهيرة نفس القرار، وكذلك صحيفة الكاربوبانا الفنزويلية.

في العام الماضي فقط، توقفت أكثر من 100 صحيفة ومجلة كبرى من مختلف دول العالم عن طبع نسختها الورقية، وأغلبها تحول لنسخة إلكترونية، أو دخلت في اندماجات، أو اكتفت بنسخة أسبوعية فقط، أو بدأت في تفتيت يوميتها لمجلات صغيرة متخصصة.
بشكل عام هذا ما حدث في إسبانيا وفرنسا وكندا والولايات المتحدة، والعديد من دول أمريكا اللاتينية رغم وجود تجارب ناجحة لديهم.
*****
في السنوات الثلاث الماضية استطاعت بعض الصحف الأمريكية أن تقلل من المؤشر الدراماتيكي لهبوط توزيع نسخها المطبوعة، ولكن من الصعب أن نقول إنها استطاعت وقفه تمامًا.
والسر يعود لأسباب عديدة، منها تعافي السوق الأمريكية نسبيًا من حالة الركود الاقتصادي التي بدأت عام 2008- البركة في حروب الشرق الأوسط- مع سعى الصحف الدائم لتطوير نفسها شكلا ومضمونًا، وبدأت تظهر وظائف جديدة في الصحافة معنية بـ«الإبداع الإعلامي» وبالتلاحم الرقمي، وبغرف الأخبار المدمجة.
ما عزز نجاح العديد من التجارب والمبادرات الفردية، التي خلقت أنماطا جديدة جذابة، ورأينا- ربما لأول مرة- مبادرات ناجحة لمحتوى المدفوع Paid Content، مع ربط الإعلانات الورقية بالديجتال، وربط اشتراكات نسخ المطبوع بالديجتال كما فعلت الواشنطن بوست، ما جعلها تثبت مستويات توزيعها لثلاث سنوات متتالية، في تجربة تستحق أن نتحدث عنها بشكل أعمق لاحقًا.
كل هذه الأسباب مثلت عوامل مساعدة، لكن السبب الرئيسي في بقاء الصحف الأمريكية واقفة على قدميها حتى الآن، يعود لارتفاع نسب الاشتراكات لديها (أفراد ومؤسسات)، ورغم توافر الإنترنت بسرعات كبيرة، «إلا أنه من باب العادة لا يفكر الكثيرون بإلغاء اشتراكات الصحف، خاصة كبار السن»، كما يقول تقرير شركة ماكينزي المتخصصة في أبحاث السوق.
لذا كان منطقي أن يتهجم ريتشاد توفيل، وهو صاحب مشروع نشر غير ربحيProPublicaخاص بالتحقيقات الاستقصائية، على هذه النتائج، ويقول: «إن الكسل هو السبب الذي يبقي الصحافة المطبوعة على قيد الحياة، ومصيرها بات مربوطًا بناس سيموتون حتما في الـ30 عاما القادمة». هذا الرجل أحد عرابي صناعة النشر في أمريكا، وكان يعمل في السابق مساعد ناشر لجريدة «وال ستريت جورنال» العريقة، وهو على وزن هشام قاسم بالنسبة للسوق المصرية.
مقالة توفيل كاملة هنا.
وهنا تعليق وتفنيد لما جاء في مقاله، وفقا لموقع بوينتر المتخصص في الشؤون الصحفية.

*****
دع الأرقام الدقيقة تتحدث، هذه قائمة بمؤشرات توزيع أشهر الصحف المطبوعة في أمريكا في الثلاثة أعوام الماضية.

الصحيفة

توزيع الصحف في 2013

توزيع الصحف في 2015

وال استريت جورنال

1.40 مليون نسخة

1.06 مليون نسخة

نيويورك تايمز

731 ألف نسخة

528 ألف نسخة

واشنطن بوست

431 ألف نسخة

430 ألف نسخة

لوس أنجلوس تايمز

433 ألف نسخة

428 ألف نسخة

يو اس توداي

1.42 مليون نسخة

299 ألف نسخة

شيكاغو ترابيون

368 ألف نسخة

266 ألف نسخة

نيويورك بوست

300 ألف نسخة

245 ألف نسخة


بعيدا عن أرقام صحيفة وال استريت جورنال، وصحيفة يو اس توادي، التي سجلتا أكبر انخفاض في تاريخهما، بصورة مختلفة عن المؤشر العام ولأسباب ليست كلها سلبية مثل حالة الأخيرة، ولكن ما يهمنا أن معدل الانخفاض الإجمالي كان في حدود 5% إلى 8% سنويًا، والأهم أن أغلب الصحف حافظت بصورة مقبولة على مدخولاتها من الإعلانات.
ففي عام 2011 بلغت إعلانات الصحف 20.7 مليار دولار في أمريكا، ومتوقع لها هذا العام أن تصل إلى 17 مليار دولار، وستكمل رحلة الانخفاض على مهل في حدود 8% سنويًا، وفي المقابل ضاعفة الإعلانات الرقمية أرقامها لترتفع من 32 مليار دولار عام 2011، لتتخطي هذا العام حاجز الـ 62 مليار دولار، بحسب أرقام مؤسسة EMarketer.
والخلاصة، أن الاشتراكات+ تماسك سوق الإعلانات+ إبداع وتطوير وتنويع الصحف لمنتجاتها، ساهم في مد عمر الصحف الأمريكية المطبوعة لحين من الزمان، ولكن من المستحيل أن نقول إنها هربت من مصيرها المحتوم.
*****
السؤال الآن، ليس هل تختفي الصحف المطبوعة أم لا؟ فالإجابة حسمت وانتهى الأمر.
السؤال الآن، متى وكيف؟
والسؤال الأكثر آنية، هل تنتهي قبل الصحف الأمريكية أم بعدها؟
قبل عام كنت سأجيب، بالتأكيد ستختفي الصحف المصرية المطبوعة بعد نظيرتها في أمريكا، وبسنوات عديدة.
حسنا، هذه نظرية تثبت خطأها، لأنها بنيت على معلومات وحسابات قديمة، فالمستقبل قد يكون مغايرا تمامًا، وقد تواجه الصحافة المصرية مصيرها المحتوم قبل نظيرتها في أمريكا وبفترة طويلة.
وحسب ما يراه الأستاذ مجدي الحفناوي، مدير التوزيع بجريدة المصري اليوم، فإن الصحف المطبوعة تواجه أزمة حادة، وخلال عامين، ستخرج العديد من الصحف من سوق المطبوع.
ويقول «أكثر من 50 ألف شخص يعملون في الصحف المطبوعة، مهددون بقطع أرزاقهم، وليس هناك أي مبادرات لإنقاذهم أو إنقاذ الصحافة المطبوعة».
رأي الحفناوي يستند على خبرة تمتد لأكثر من 20 عاما في سوق الصحافة والتوزيع، في مصر وخارجها، وبحسبة بسيطة يمكن أن نقول إن هذا الرجل أشرف على توزيع أكثر من نصف مليار نسخة طوال حياته المهنية؛ لذا عندما يحذر ويغضب، يجب أن نأخذ إنذاره على محمل الجد، لأنه الأقرب في مصر على الإطلاق من مطبخ توزيع الصحف؛ هذا غير أنه يشرف على جريدة، موقفها الحالي يجعلها في ذيل الصحف المعرضة لوقف نسختها المطبوعة، وإن كان مصيرها مثل غيرها لا مفر منه.
*****
هذه أرقام تقريبية، لتوزيع الصحف المصرية اليومية في العشر سنوات الماضية، وهي بالطبع أرقام غير رسمية، لأنه ببساطة ليست هناك أرقام رسمية، حتى إن الصحف نفسها لا تصدر أرقامًا لتوزيعها، وأصلًا، لا توجد أي جهة تصدر أي أرقام عن أي شيء في مصر، لذا الجميع يتوقع ويستنتج ويضرب أخماسًا في أسداسًا!!

يناير 2006

يناير 2011

يناير 2015

يناير 2016

1.7 مليون نسخة

1.4 مليون نسخة

650 ألف نسخة

470 ألف نسخة

ملحوظة: هذا ما يتم توزيعه وليس طبعاته، ويُتوقع أن يكون المرتجع في حدود 20%-15%، وهناك بعض الصحف يزيد المرتجع فيها عن 30%.

*****

لنتوقف قليلًا عند عام 2011، عندما حدثت طفرة كبيرة في النصف الأول منه، بسبب أحداث ثورة 25 يناير، وبدأت الناس تهتم –ومازالت- بالتغييرات السياسية والاقتصادية الاجتماعية التي تدور حولها، وكانت النتيجة أن ارتفعت اعداد التوزيع وتجاوزت في بعض الأيام حاجز الـمليوني نسخة.
هنا، كان يمكن للصحف المطبوعةأن تستغل هذا الرواج، وتركب الموجة العالية وتبنى عليها، لكنها تركت الملعب طواعية للقنوات التليفزيونية وللمواقع الإليكترونية وللشبكات الاجتماعية لتقود وحدها، دون أن تزاحم أو تغامر لعلها تصل إلى قيمة مضافة وميزة تنافسية تبقيها في حلبة السباق أطول وقت ممكن، ولكنها ركنت للخمول، وكانت النتيجة أنها خسرت أكثر من 70% من أرقامها في خمس سنوات فقط!!.
وحتى لو فرضنا هامش خطأ 10% في هذه الأرقام، فهي مازالت تؤشر على أن الصحافة المطبوعة فقدت الجزء الأكبر من قوتها وعائداتها، والأخطر تأثيرها الشعبي والسياسي، ويكفي أن نعرف أن التوزيع انخفض أكثر من 20% ما بين العام الماضي والحالي، أي أكثر من ضعفي نسبة انخفاض الصحف المطبوعة في أمريكا سنويًا.
لذا لا مجال للعجب لو اختفت الصحف المطبوعة في مصر قبل أمريكا.
أضف لذلك أن حصة سوق التوزيع في مصر موزعة «تقريبا» بين 70%تذهب للأهرام والمصري اليوم والأخبار، وبقية الـ 30% تقتات عليها بقية الصحف اليومية كلها مجتمعة.
*****
وفي النهاية مسألة بقاء الصحف المطبوعة أمر اقتصادي في المقام الأول، ويجب أن يعالج وينظر له وفقا لمنطق عملي وتجاري؛ أما قيمة الصحافةفهي أكبر بكثير من مجرد دشت وحبر وزينك وماكينة طباعة، رغم ما تحمله هذه الأدوات في قلوبنا من ذكريات غالية، لكن في النهاية الصحفي هو ما يجعل لها قيمة، وليست هي ما تجعل للصحفي قيمة.
ورغم الموقف السيئالذي تعيشه الصحف المصرية والعربية، ورغم حتمية المصير،إلا أن هناك الكثير من الأفكار التي يمكن العمل عليها بشكل فردي وجماعي، والتي يمكنها بالكثير من الجهد، وبالأكثر من الإبداع والتفكير المختلف والمحترف، أن تمد من عمر الصحافة المطبوعة لفترة من الزمن، وتعيد لها «بعض» من رونقها وقوة تأثيرها، وهذا ما سنبحث عنه في المقال القادم.
للتواصل مع الكاتب
[email protected]
فيس بوك:

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية