x

خالد وصيف الحياة في عصر ندرة الماء خالد وصيف الخميس 02-06-2016 14:52


ارتفعت في الآونة الأخيرة أصوات كثير من الخبراء الذين يحذرون من شح مائى تتعرض له البلاد، يمكنه أن يتفاقم ليصبح فقر مائى، في إشارة إلى نصيب الفرد المصرى الذي أصبح لا يتعدى 600 متر مياه سنويا. وهو أصوات تتناول مفهوم الفقر والغنى المائى من منظور كمى دولى يعرف بخط الفقر المائى والذى يقف على عتبة الألف متر مكعب سنويا للفرد الواحد، ليغطى كل استخداماته التي يدخل في مكوناتها الماء، هذه آلاف متر مكعب هي متوسط الاستخدام الآمن للفرد الواحد، وكلما كان المتاح أكبر كان تمتع الفرد بمقدار من الغنى المائى يتناسب طرديا مع الارتفاع عن ذلك الخط، والعكس صحيح أيضا.

والحقيقة أن هذا المعيار الخطى الدولى للاستخدامات المائية يتجاهل حقائق كثيرة مثل الخصائص الاجتماعية والثقافية لمستخدم المياه وتباينه من دولة إلى أخرى، وتوزيع الكميات المتاحة على الاستخدامات الأساسية مثل الشرب والزراعة والصناعة. كما يتجاهل ايضا حقائق نراها باعيننا عن دول مجاورة لا يتجاوز نصيب الفرد فيها الـ200 متر مكعب سنويا (الأردن-إسرائيل-لبنان) لكنها تتمتع بدخل قومى مرتفع واستفادة قصوى من مواردها المائية. كما أن كثيرا من دول الوفرة المائية مثل منطقة جنوب شرق آسيا لم ترتبط نجاحاتها الاقتصادية بالعنصر الزراعى الذي يعتمد على الماء.

إذا أسقطنا هذا المفهوم على الحالة المصرية فإن التشخيص الدقيق لها أننا نعيش عصر ندرة ربما تتفاقم إلى شح مائى إذا استمرت الممارسات المرتبطة بالمياه تسير في مسارها التقليدى القديم. والقراءة المتأنية لخريطة الموارد المائية في مصر تستخلص عددا من الحقائق الهامة. أولا هناك فقر في المصادر المائية (بالإضافة إلى الموارد أيضا)، فنهر النيل يمثل المصدر الأساسى لتلك الموارد بنسبة تصل إلى 85%، مصدر واحد لا يقع تحت السيطرة الكاملة نظرا لوجود منابعه خارج الحدود، الملاحظة الثانية أن هناك طغيان لقطاع الزراعة على حساب باقى القطاعات المستخدمة للمياه مثل السكنى والصناعى. فهو يستهلك حوالى 50 مليار متر سنويا منهم 20 مليار ناتج إعادة استخدام مياه المصارف الزراعية ويخدم 6 ملايين مزارع. بينما يبلغ استهلاك القطاع السكنى 10 مليارات متر سنويا يستفيد منه 90 مليون نسمة.

وفى ضوء موارد مالية وبشرية محدودة بالجهاز الحكومى، يكون التركيز على القطاع الزراعى هو أولوية أولى وأولى مكرر أيضا. لأن مجهودات توفير 10% من المياه التي تستهلكها الزراعة تعطى كمية مساوية لمجهودات توفير 50% من المياه المنزلية. وبالتالى ففرص توفير المياه أكثر اتساعا في المجال الزراعى. كما أن التعامل مع شريحة متجانسة من المزارعين تصل إلى ملايين ستة هو أسهل بكثير من التعامل مع 90 مليونا مختلفى المشارب والاحتياجات.

والحقيقة أن القطاع الزراعى المصرى يحتاج إلى مجهودات هائلة لتطويره، حيث مازال هيكله الأساسى مقاما منذ عهد محمد على ولم يطرأ عليه تغيير يذكر، فهو يعتمد على قيادة النشاط الزراعى للماء، أي يقوم المزارع بزراعة أرز أو قطن أو قصب سكر، ثم يطلب المياه اللازمة للرى، وما يواجهه المزارعون هذه الأيام من أزمات مياه في بعض المحافظات التي تتوسع في زراعة الأرز بدون التحسب لتوافر مياه من عدمه، هو مثال عملى على الأسلوب القديم في إدارة الموارد.

بينما الواجب في عصر الندرة أن نتحول بكل سرعة إلى إدارة الطلب على المياه، بحيث تقود هي النشاط الزراعى وليس العكس، إدارة الطلب تعتمد على تحديد حصص مائية لكل منطقة تروى عن طريق ترعة رئيسية، ويتم التوزيع الداخلى لتلك الحصص عن طريق روابط لمستخدمى المياه ينتظم في عضويتها كل المزارعين والمنتفعين بالمياه على كل ترعة فرعية أو مسقى خصوصية أو المناطق السكنية المجاورة للترعة، بحيث يقوم المزارع بزراعة ما يرغب من محاصيل في ظل كمية المياه المتاحة له، وهو مايستوجب وجود خدمة إرشاد زراعى تتمتع بالكفائة والخبرة بحيث تقدم مساعة فنية للمزارع لتعظيم العائد الاقتصادى من كل متر مياه.

وإدارة الطلب تستلزم القيام بدراسة اقتصاديات توصيل المياه النيلية لأطراف الشبكة المصرية الضخمة التي تتجاوز 20 ألف كيلومتر من الترع، ووضع بدائل مناسبة سواء بمصدر رى بديل مثل الآبار الجوفية، أو بالتخلى عن النشاط الزراعى لها والسماح بقيام انشطة أخرى اكثر جدوى واقتصادية وبذلك يستفيد المزارعون الذن يعانون من عدم توافر مياه لرى أراضيهم، وتستفيد الدولة بادارة ذات كفاءة للموارد المائية. وفى ضوء ذات الدراسة الاقتصادية يمكن أن يتم استبدال المياه النيلية كمصدر لمياه الشرب للمناطق الساحلية النائية (مرسى مطروح-بورسعيد-اجزاء من الإسكندرية) بانشاء محطات لتحلية مياه البحر، أو الاعتماد على المياه الجوفية. وهذه الإجراءات ليست جديدة لكنها مطروحة منذ أكثر من عشرين عاما لكنها لم تجد طريقها للنور لكن الظروف الجديدة تحتم البدء الفورى في تنفيذها.

إن التعايش مع مياه أقل ممكن، وتحقيق معدلات اقتصادية مرتفعة متاح، لكنه يحتاج إلى سياسات مائية جديدة وجريئة تبدأ الأمس وليس اليوم.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية