لأن الحضارة المصرية، حضارة مائية.. قامت وترعرعت بفضل الوفرة المائية واستمرار جريان نهر النيل.. ولأننا الآن نعيش بداية عصر انحسار هذه الوفرة المائية.. شدتنى عبارتان وسط احتفالنا ببدء حصاد القمح فى واحة الفرافرة.. العبارة الأولى هى إعادة تدوير المياه.. والثانية هى معالجة المياه.. وربما هناك من فهم الكثير من العبارتين، ولكن هناك من لم يفهم!! وربما انشغل هؤلاء بصغائر الأمور.. أو التافه منها.
العبارة الأولى تؤمن بأن المادة لا تفنى، وأنه حرام أن ندعها تفر من أيدينا، دون أن نعيد استخدامها مرات ومرات وإذا كنا - فى الماضى دائماً.. وكثيراً حتى الآن - نستخدمها مرة واحدة.. فقد انتهى عصر الوفرة المائية.. ربما منذ أخذنا نحبس هذه المياه أمام السدود والخزانات.. وكفى ما ضاع منها عندما كنا نلقى بها فى البحر المتوسط، أو فى البحيرات الشمالية.
وأصبحنا نعيد استخدمها بالذات فى الزراعة والرى.. وهكذا نعالج الكثير منها.. أى إعادة تدويرها.. ولكنها فى مصر الآن مقصود بها مياه الرى بالذات فى الدلتا.. أما فى الصعيد فالأمر مختلف، إذ أصبحنا - فى الدلتا - نسحب كثيراً من مياه الصرف الزراعى، ونقلل ما بها إلى حد ما مما يسىء إلى التربة الزراعية.. وإن كانت هذه المعالجة لم تصل إلى إزالة ما بها من مبيدات وهرمونات.. وأمراض!! أى نعيد استخدامها بعد خلطها بكميات من مياه النيل بنسب متعددة.. وبالذات فى شمال ووسط الدلتا، قبل أن نلقى بها بعد ذلك فى مياه البحر المتوسط.. ولكن هل تكفى إعادة الاستخدام مرة واحدة، أو مرتين - بعد المرة الأولى؟! هنا تأتى قضية إعادة تدوير مياه الصرف الزراعى.
وحتى عندما قررنا حفر ترعة السلام لتوصيل مياه النيل إلى سيناء.. قررنا - وليس لغرض سياسى يستهدف حرمان إسرائيل من المطالبة بحصة من مياه النيل، ولو بالشراء من إحدى دول المنابع - قررنا خلط مياه النيل بمياه الصرف الزراعى بنسبة متر من الأولى ومتر من الثانية، ولكننى هنا حذرت من أننا بذلك ننشر أمراض الأرض الزراعية فى الدلتا.. داخل الأراضى الجديدة فى سيناء.. وربما لهذا السبب تنفذ مصر الآن مشروعاً لمعالجة هذه المياه عند سحارة السرابيوم فى منطقة القناة.
والخوف أننا «قد» نلجأ أيضاً إلى استخدام مياه الصرف الصناعى.. وربما أيضاً مياه الصرف الصحى بعد معالجة هذه وتلك لتقليل أضرارها على الأراضى الزراعية من ناحية.. وتقليل أضرارها على المنتج الزراعى الذى يخرج لنا من هذه المياه أو تلك.. وكفى ما يعانيه المصرى الآن من أضرار صحية رهيبة تزداد يوماً بعد يوم.. وما أمراض الفشل الكلوى والكبدى وفيروس سى ببعيدة عن الأذهان.
ومن المؤكد أن العلم والتكنولوجيا الآن يعجزان عن معالجة أى شىء.. بل يمكن إعادة الاستخدام خمس مرات على الأقل بحسن المعالجة.. حتى وإن اقتضى الأمر إنفاق أموال كثيرة لتحقيق ذلك.. وقد شاهدت فى برلين كيف عالجوا مياه الصرف الصحى والصناعى، حتى أصبحت أفضل من المياه الطبيعية.. وحتى لو بحثنا عن نباتات جديدة تتقبل المياه - التى كانت ملوثة.. والعلم الآن.. بلا حدود.
■ أما معالجة المياه - وبالذات فى الصحراء الغربية.. فنقول إننا نواجه - منذ سنوات - تغير طبيعة التربة هناك بسبب وجود معادن وحديد ومنجنيز فى كثير من المياه الجوفية.. ربما بعضها لاستغلال هذه المعادن.. ولكن الأهم هو تقليل أضرارها على التربة.
نقول ذلك - وعندى الكثير - عن إعادة تدوير المياه وعن تحسين مواصفاتها.. فقد جاء وقت وقف إهدار هذه المياه.