ليس لدى أى علم إذا كان عندنا أى بيانات أو إحصائيات.. كما فى كثير من دول العالم- عن حجم ومعدل الشكاوى التى يقوم بها المصريون ضمن نظام حياتهم اليومي!!!… فى إطار معلوماتى المتواضعة لا أعتقد أننا نمتلك أو لدينا هذا الجهاز الذى يرصد انخفاض أو زيادة معدلات الشكاوى التى تؤرق مزاج الشعب فى مختلف مجالات الحياة- وهى كثيرة - والذى عليه أن يتكبد أو يكتم غيظه عندما يفشل أن يصل صوته إلى أولى الأمر سواء كان ذلك على المستوى الاجتماعى- السياسى - الاقتصادى أو حتى الشخصى.. وسواء كان ذلك أيضا ينبع عن حق أو ثرثرة أو «رطرطة» من أجل إشباع غريزة يمارسها البعض على «الفاضى والمليان».. إلى مالا نهاية من أسباب تنطلق بها وتقذفها أفواه فى انتظار رد فعل يبرد من نار الفرسة والغيظ!!!
والشكوى هى ممارسة طبيعية عرفها الإنسان منذ الخليقة.. يُكفلها للقانون والدستور والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان ليس فى مصر وحدها إنما فى العالم كله.. بل فى الحقيقة هناك شعوب تتميز ثقافتها بممارستها للشكوى الدائمة، ويأتى البريطانيون على قمة هذه الشعوب وربما لو كان لدينا من الإحصائيات والدراسات الاجتماعية.. ربما.. ربما.. بل من المؤكد كنا تفوقنا على الشعب البريطانى العريق فى هذه الممارسة الحياتية والتى يعرف المخضرمون فيها كيف يمكن استغلالها لصالحهم لكسب أكبر قدر من المنفعة أو من أجل الحصول على الرضا النفسى الذى يتحقق نظير نجاح الشكوى حتى إن هناك كثيرا من الكتب الآن تعلمك «فنون الشكوى» وتأثيرها الفعال!! وبما أننا أحد الشعوب التى تتغذى على الشكوى - عمال على بطال - حتى وإن لم يلتفت أو يصغ أحد لأصحابها حيث غالبا ما يضيع الحق مع الباطل فى معظم الأحيان نتيجة لكثرتها أو لعدم موضوعيتها.. أو «لهيافتها» أو لأسلوب عرضها فى أحيان أخرى!!
… وهى كلها أسباب تدعونا أن نتعلم فنون استخدامها حتى يلتفت إلينا - بجدية - من نخاطبهم على أى مستوى كما ذكرت فى البداية…
ولكن هذا لا يمنع أن نذكر أن الشكوى عند ناس كثيرين ليست فقط ممارسة سلبية تعود على أصحابها بالشعور بالضيق والخناق والإحباط - وإنما أصبحت عادة يومية مثلها مثل أى عادة أخرى تنصهر وتتواءم مع النفس دون ملاحظتها.. هى أيضا بالنسبة للكثير نوع من الالتقاء حول أرضية مشتركة بين الشاكى والمتلقى وهو ما يفتح عادة مجالا وأبوابا للحديث بالإضافة إلى أن معتادى الشكوى يبحثون من خلال شكواهم على تأكيد الآخر لهم بما يؤمنون به… أما الخطير أو الأخطر من ذلك كله أنها نوع من الإنكار لمسؤولية الفرد.. واللوم المستمر فى ثوب الشكوى هو تأكيد لنوع وأسلوب آخر للتنصل عن هذه المسؤولية.
وفى هذا الإطار دعونى أعرض لكم استطلاع رأى طريفا قام به أحد معاهد الأبحاث الاجتماعية ونشرته صحيفة الديلى تليجراف البريطانية عن أكثر ١٠٠ شكوى تؤرق البشر بصفة عامة فى جميع بقاع العالم.. وأرجوكم لا تصابوا بالدهشة عندما تجدوا أن المائة شكوى التى لا أستطيع سرد جميع محتواها هنا على هذه المساحة الصغيرة نابعة من ممارسات نعرفها - «كويس قوي» - جميعنا معتادون عليها.. متآلفون معها لأنها أصبحت جزءا من أسلوب حياتنا.. ربما ثقافتنا!!
.. ربما تراثنا!!! الذى لا نريد أن نتخلى عنه والذى لا نرى فيه شيئا غريبا يدعونا للشكوى… وهذه هى المصيبة!!
يسرد استطلاع الرأى شكاوى البشر الآتية:- رائحة الجسد الكريهة.. سوء المعاملة والاستهتار فى المحال التجارية.. البصق فى الشارع «والنف» كمان من غير ورق أو منديل.. الحديث والفم مفتوح أثناء الأكل.. القيادة البطيئة على الحارة السريعة.. عدم شد السيفون.. ضوضاء الجيران والشارع.. انحياز الإعلام.. التضخم.. التدخين.. المسلسلات التليفزيونية الهابطة.. وسائل النقل التى لا تصل فى مواعيدها.. انقطاع المياه أثناء الاستحمام.. معلومات الأرصاد الجوية الخاطئة.. الشحاذة.. أخبار الناس.. عدم الاحتراف فى العمل.. رائحة العرق.. الإعلانات المزعجة والكثيرة أثناء فقرات البرامج والأفلام.. الناس الذين يسيرون ببطء فى الشارع.. السياسيين.. جنون الرسائل عبر الهواتف الذكية.. الكذب.. بائعو المنتجات عبر تليفونك الخاص.. أسلوب لفت الأنظار بعيدا عن القضايا الهامة.. عدم احترام المسافة بين الأجساد فى وسائل المواصلات وحتى أثناء الحديث..
هذه كانت بعض الشكاوى التى سردها استطلاع الرأى.. ترى هل هى غريبة عليك؟؟؟؟ ولكن حتى أخفف من وقع رد فعلك على أن أقول إن أكثر الشعوب والمجتمعات رفاهية هو أكثرها شكوى لأنه تعود أن يحصل دائما على الأفضل ولا يقبل له بديلا!!!.. فأين أنت وأين موقعك من هذا الكلام؟؟؟!!!!