من قال إن هناك صداقات دائمة.. وعداوات دائمة!! الصواب أن هناك مصالح دائمة هى التى تحكم بين الدول.. وأيضاً بين الأفراد.. وعلاقة مصر مع فرنسا خير دليل.
إذ خلال 60 عاماً فقط تبدلت علاقات الدولتين، من أقصى العداء.. إلى أفضل صداقة.. ومناسبة هذا احتفال مصر - وقواتها المسلحة - اليوم، بانضمام حاملة طائرات الهليكوبتر الأولى من طراز ميسترال.. وأين، فى ميناء تولوز الذى خرجت منه القوات المسلحة الفرنسية، وبالذات البحرية، لتكون شريكاً أساسياً فى العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، ويقوم الفريق أول صدقى صبحى، وزير الدفاع والقائد العام، برفع العلم المصرى، الذى جعل مصر ثالث دولة فى البحر المتوسط تمتلك حاملات طائرات!! ومعه الفريق أسامة ربيع، قائد البحرية المصرية.. وسبحان مغير الأحوال!!
إذ بعد عداء رهيب قامت فرنسا بالعدوان على مصر، مع بريطانيا وإسرائيل، ولا ننسى هنا رئيس وزراء فرنسا چى موليه، ووزير خارجيته كريستيان بينو، وفى هذا العدوان الثلاثى نجحت مصر فى إغراق أكبر قطعة بحرية فرنسية هى «جان بار»، فى معركة هى الأولى من نوعها فى تاريخ البحرية العسكرية، إذ تصدت قوارب طوربيد مصرية لهذه البارجة، وكانت أكبر قطعة بحرية فرنسية بين قوات العدوان، وذلك أمام بحيرة البرلس، يوم 4 نوفمبر 1956، وحمولتها 7000 طن، وعليها 600 مقاتل فرنسى، وكانت تحاول إنزالهم إلى الشاطئ المصرى.. ونجحت قوارب الطوربيد فى إغراقها بهذا السلاح الجديد، فى معركة تحمل اسم: معركة البرلس البحرية.. وكما نجحت مصر فى إغراق البارجة «جان بار».. نجحت فى إسقاط حكومة فرنسا، برئاسة جى موليه، ووزير خارجيته القبيح، كريستيان بينو، يوم 21 مايو 1957، كما نجحت قبل ذلك فى إسقاط حكومة بريطانيا، برئاسة أنتوى أيدن، الذى استقال يوم 9 يناير 1957.
وكانت أحلام فرنسا قد التقت مع رغبات بريطانيا فى إسقاط حكومة جمال عبدالناصر.. وكان الدعم الفرنسى لإسرائيل هو الأكبر، بسبب دعم مصر - ناصر لثوار الجزائر، التى كانت فرنسا تحتلها منذ عام 1830.
وتتغير الأحوال، وتصبح مصر مع فرنسا «سمن على عسل»، ومظاهرها هى صفقة الطائرات الحربية الرافال، وهى الأحدث فى الترسانة الجوية الفرنسية، وصفقة حاملتى الطائرات الميسترال، وهما الأحدث فى ترسانتها البحرية، وبعد أن كان عبدالناصر هو العدو الأكبر لفرنسا.. ها هى حاملة الطائرات الميسترال تخرج من نفس الميناء «تولوز»، الذى خرجت منه البارجة «جان بار».. ولا أعتقد أن اختيار مصر اسم جمال عبدالناصر ليكون هو اسم الحاملة الأولى جاء اعتباطاً.. بل هو اختيار له ألف معنى و10 آلاف مغزى.. والمعنى فى بطن من يعلمون.. فهل يعيد التاريخ نفسه، عندما زار القائد المصرى العظيم إبراهيم باشا، يرافقه رئيس أركان حربه «المواطن الفرنسى السابق» كولونيل أوكتاف جوزيف أنتلم سيف، المولود فى مدينة ليون الفرنسية، ونعرفه فى مصر باسم: سليمان باشا الفرنساوى، والذى قدم فى الأسطول الفرنسى واشترك فى معركة الطرف الأغر وعمل بجيش نابليون، أقول استقبلت فرنسا إبراهيم باشا وسليمان باشا استقبال الأبطال عندما زاراها فى أواخر حكم محمد على!!
ثم تطلق مصر اسم أنور السادات على حاملة الطائرات الميسترال.. وهو الذى حطم أسطورة جيش إسرائيل الذى لا يقهر.. وهو الجيش الذى ساعدته فرنسا وقدمت له أفضل أسلحتها فى الجو والبر والبحر.. وهل اختيار اسمى عبدالناصر والسادات جاء اعتباطاً؟ أبداً والله.
■ إن الصداقة الفرنسية - المصرية الآن فى أحسن أحوالها.. وكان لذلك أسبابه، فى مقدمتها دور الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عاهل السعودية الراحل.. ودور أبوظبى الذى أدى نفس المهمة مع الرئيس الفرنسى - هناك فى قصر الإليزيه - أم هو ثورة مصر وسياسة الرئيس السيسى المتوازنة التى يقودها العقل.. وبعيداً عن العواطف.
■ أهلاً باسمى جمال عبدالناصر.. وأنور السادات وهما يرفرفان فوق أحدث ما فى الترسانة العسكرية الفرنسية الآن.. ومزودتان بأحدث طائرات الهليكوبتر الروسية.
ألم نقل لكم: ليس هناك عداوة دائمة.. ولا صداقة دائمة، ولكن هناك مصالح دائمة.
والتاريخ عِبر ودروس وعظات.