فى كلمته التى ألقاها - وهو يفتتح مصانع البتروكيماويات بدمياط - شدد الرئيس السيسى على ضرورة حماية المجتمع والبيئة، من أى تلوث يحدث بسبب هذه المصانع.. بل إن الرئيس حاول أن يبعث برسالتين: الأولى إلى المجتمع الدمياطى، الذى قاد معركة شرسة استمرت سنوات ضد مصنع موبكو الملاصق لمصيف رأس البر، والثانية إلى هذه الشركة وضرورة اتباع أقصى اشتراطات السلامة، حماية للمجتمع وللبيئة.
وإلى حد كبير اطمأن الدمايطة - بعد أن وصلتهم الرسالة - لأنهم فى معركتهم ضد هذا التلوث، فى المياه والنبات والهواء.. والأسماك، أجبروا المصانع - أيامها - على إيقاف عملها، لحين الوصول إلى أفضل وسائل السلامة و«النظافة».. ولكن هل وصلت نفس الرسالة - كما يجب - إلى مسؤولى هذه المصانع.. رغم ما قاله، خلال الاحتفال المسؤول الأول عن الشركة.. وبالذات فيما يتعلق بمياه التبريد وضرورة معالجتها قبل إعادتها إلى النيل مرة أخرى.. وأيضاً بضرورة تركيب «حساسات» تكشف أى تجاوز لمعايير السلامة البيئية؟
ولكن المهندس جمال مارية، وهو من قيادات معركة حماية البيئة بدمياط، له رأى آخر.. يقول إن التحذيرات التى أطلقها الرئيس السيسى يجب ألا تكون مقصورة على مثل هذه المصانع بدمياط.. بل يجب أن تمتد إلى كل مصنع مماثل على كل الأرض المصرية.. وضرب جمال مارية مثلاً بمصانع عديدة، فى مقدمتها مصنع السماد «كيما» فى محافظة أسوان، لأنه يلقى بمخلفات المصانع مباشرة فى مجرى النيل.. حتى وإن ادعت أن يقوم بمعالجتها قبل الإلقاء.. وإذا كان هذا صحيحاً فإنه يقوم فقط بمعالجة كمية من هذه المياه والمخلفات.. أما الباقى فيذهب «دون معالجة» إلى نهر الحياة.. إلى النيل.
ويضيف جمال مارية - وهو مثقف عالى الثقافة تاريخياً وبيئياً - إذا كان ذلك يتم فى النيل عند مروره بأسوان.. وعند واحد من أشهر وأكبر مصانعنا.. فإن هناك العديد من المصانع تفعل ذلك على طول مجرى النيل من أسوان إلى القاهرة.. ثم على طول فرعى النيل إلى دمياط ورشيد.. ومن المؤكد أن ذلك من أهم أسباب انتشار الأمراض الكبدية والمعوية وفيروس سى، على سبيل المثال.. ويستمر جمال مارية فيقول إن هذا التلوث الصناعى لا يقف عند مصنعى «كيما» فى أسوان و«موبكو» فى دمياط، بل يمتد إلى الصرف الصحى.. وما كوارث بحر البقر فى الشرقية وقتل الثروة والناس فى بحيرة المنزلة، وما يحدث من كوارث مصرف كيتشنر فى غرب الدلتا، الذى يصب فى بحيرة البرلس وإدكو هو وغيره من هذه المصارف إلا مجرد أمثلة.. لأن كل الملوثات تبدأ من هنا.
ويقول إن مصرياً واحداً لا يرفض هذه الصناعات.. إذ لكل صناعة إيجابياتها.. ولها أيضاً سلبياتها.. ومصر تحتاج إلى أى مصنع، ليس فقط من أجل الإنتاج المحلى، ولكن من أجل التصدير أيضاً.. وهذه من أهم قواعد التنمية المستدامة التى تتقدم بها الدول.. بالحد من الاستيراد.. وزيادة الصادرات لمواجهة بلاوى لعبة الدولار والحرب ضد الوطن، ولذلك لابد من إعداد المجتمع - كما يجب - لهذه المرحلة الضرورية لهذه التنمية وذلك بالتدريب.. وأيضاً بالتوعية الإعلامية، حتى يقتنع الناس بأهمية التخطيط الأمثل لعمليات التنمية وإعادة البناء.. وبالمناسبة ربما لم يسمع أحد من المصريين كثيراً عن هذه «التنمية المستدامة»، وأعترف بأننى كنت أول من استمع لها، ومن المهندس جمال مارية، الذى كان يبدو - ومنذ سنوات - أنه يحرث فى البحر، أو أنه ينافس دون كيشوت الإسبانى الشهير الذى كان يحارب طواحين الهواء، ولكن جمال مارية غلبنا.. وغلب كل الدمايطة فى تبنيه الدعوة لمزايا التنمية المستدامة، التى بها تتقدم الشعوب وتبنى الأوطان!!