إيران وتركيا هما الدولتان الأهم المجاورين لدول المشرق العربى، وحتى ندرك موقعنا منهما كعرب، علينا أن نقرأ تاريخ العلاقة بين تركيا وإيران، فهناك صراعٍ دامٍ طويلا بين البلدين على النفوذ في المنطقة العربية، ولعل أهم تلك الصراعات، جاء بعد معركة (جالديران عام 1514) التي رسمت الحدود الجغرافية بين الدولتين، لتأتي بعدها سلسلة الحروب والصراعات السياسية التي نشبت بين الإمبراطورية العثمانية والدولة الصفوية بين (1623-1639) والتي انتهت بانتصار العثمانيين، وضمت الإمبراطورية العثمانية العراق إليها منذ ذلك الحين، حتى فقدته في أعقاب الحرب العالمية الأولى واتفاقية سايكس بيكو.
هذا التنافس بين الدولتين هو الذي جعل السلطان الإيرانى إسماعيل الصفوى يحول دولته للمذهب الشيعى في بدايات القرن السادس عشر الميلادي، وكانت من قبل ذات أغلبية سنية، وذلك لتدعيم قدراتها في الحرب مع الدولة العثمانية، فلقد حاول أن يجعل التعصب المذهبى من أدواته في الحرب وحتى لا يميل جنوده لدولة الخلافة العثمانية.
زالت الخلافة العثمانية، وأسس أتاتورك تركيا الحديثة عام 1923، ودخلت العلاقات التركية الإيرانية مرحلة تهدئة، وتوقف الصراع المبني على الأساس المذهبي الذي كان حجة الحروب التاريخية بين الدولتين، بل على العكس، كان شاه إيران رضا بهلوي يعتبر أتاتورك مثالاً يحتذى به في السعي نحو العلمانية والعلاقة بالغرب، وتحديثه لإيران الصفوية. وبعد الثورة الإيرانية لم تسع إيران إلى تصدير ثورتها لتركيا، كما فعلت مع العالم العربي ربما خوفا من قيام تركيا بتغذية النزعة الانفصالية عند الأذريين الذين يشكلون نحو ربع عدد سكان إيران ويعيشون شمالا، ولهم أواصر وجذور مع تركيا.
استقرت العلاقات بين إيران وتركيا بشأن ثلاثة مواضيع ذات اهتمام مشترك: التعاملات الاقتصادية، ورفض انفصال كردستان، ودعم قيام دولة فلسطينية، الاتفاق حول هذه الملفات الثلاثة جعل من العلاقات بين البلدين إيجابية.
وإيران تعد ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى تركيا بعد روسيا، وهناك اتفاق بينهما، تحت حكم حزب العدالة والتنمية، على صفقتي طاقة إضافيتين، الأولى: تتيح لمؤسسة البترول التركية التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في إيران، وأخرى لنقل الغاز من تركمانستان إلى تركيا ومنها لأوروبا، وصل حجم التجارة الثنائية بين إيران وتركيا عام 2011 أكثر من 16 مليار دولار و30 مليار دولار عام 2015.
هناك حجم أعمال كبير بين البلدين والمتوقع أن يزيد، خاصة بعد رفع العقوبات عن إيران التي بدأت في عقد صفقات ضخمة مع أوروبا وروسيا والصين.
المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين يقابلها تعارض في بعض المواقف الإقليمية، الملف السورى على رأس هذه الموضوعات، كما أن التحالف الإسلامى الذي تتزعمه السعودية ويضم تركيا جاء للرد على التحالف الرباعى بين روسيا وإيران والعراق وسوريا، ولقد أعلن أردوغان مساندة بلاده لعاصفة الحزم التي تتزعمها السعودية في اليمن، كما انتقد بشدة التدخل الإيرانى عن طريق مساعدة الحوثيين.
كيف استطاعت إيران أن يتغول نفوذها إلى هذا الحد الذي يخيف جيرانها الخليجيين؟ حتى إنها أخلت بتوازن القوى في المنطقة وتفوقت على النفوذ السعودى التقليدى في المنطقة الشرقية من عالمنا العربى؟
لقد اعتمدت إيران في ذلك على كيانات شعبية لا مؤسسية، لتكون أوراق ضغط في علاقتها بدول الجوار، الحشد الشعبى في العراق، حزب الله في لبنان، قوات الدفاع الوطنى في سوريا والحوثيين في اليمن.
بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية بدأت إيران تنفذ استراتيجية التغلل وتمدد النفوذ في المنطقة العربية المحيطة، وكانت حريصة على ذلك، في حين كانت تركيا مشغولة بمشاكلها الداخلية ونهضتها الاقتصادية ورغبتها الملحة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى.
في 2003 أعطت الدول العربية إيران فرصة العمر، حين سمحت بل ساندت غزو أمريكا للعراق، وما تبعه من تفكيك لمؤسسات الدولة وتسريح الجيش والشرطة، الفوضى خلقت مسرحا مثاليا تلعب فيه إيران دورا من أدوار البطولة، وتحقق لها نفوذ وتأثير كبير في العراق المحتل، وشاركت في رسم خريطته السياسية.
ذنب العرب رد إليهم، لا يمكن تفسير ما جرى سوى بسبب غياب الإرادة العربية والرؤية الاستراتيجية الواضحة لمفهوم الصراع والنفوذ.
ونجحت إيران في التواجد في أربع دول عربية: العراق، سوريا، لبنان واليمن.
الموقف التركي الحالى والنبرة الأردوغانية العنيفة من تمدد إيران، يتفق مع التقارب غير المتوقع مع المملكة العربية السعودية وفى عهد الملك سلمان.
تبدو تركيا أنها لا تشكل خطرا على النفوذ السعودى في المنطقة ولا تسعى لإحداث الفتن في دول الجوار، على عكس إيران التي وصفها الكاتب السعودى المعروف عبدالرحمن بن راشد أنها أكثر خطرا من داعش.
هل تركيا حليف يمكن أن يعتمد عليه العرب؟ خاصة السعودية ودول الخليج، أما أنها لا تختلف عن إيران؟ في رغبتها في النفوذ والهيمنة وتحقيق مصالحها والزود عنها بكل السبل المتاحة... ولو كانت بالحرب والفتن والمكر والخديعة؟
وللحديث بقية ...