x

سمير فريد هل يمكن تصنيع نقاد؟! سمير فريد السبت 12-03-2016 21:34


كنت سعيد الحظ لأننى درست لمدة أربع سنوات فى معهد المسرح فى الزمالك، ومكانه الآن مجمع اللغة العربية، فقد كان يدرس فيه عدد من عمالقة الآداب والفنون والفلسفة فى القرن العشرين، من صقر خفاجة إلى لويس عوض، ومن يوسف مراد إلى غنيمى هلال، ومن محمد القصاص إلى على الراعى، ومن عبدالقادر القط إلى محمد مندور. كان المعهد بالنسبة إليهم، وعدد الدفعة لا يتجاوز العشرين، مثل استراحة المحارب فى فيلا أنيقة على النيل، وكانت جلساتهم مع الطلبة فى الحديقة الواسعة، وأحاديثهم المنطلقة فيها دروساً لا تقل أهمية عن دروس المناهج.

وقد كان أول سؤال وجهته إلى أول أستاذ فى أول محاضرة، وكان محمد مندور، كيف سنصبح نقاداً بعد تخرجنا؟، فضحك، رحمه الله، وكانت ضحكته جميلة تملأ كل وجهه وتفيض بالعذوبة، وقال: الشائع أن هذا القسم من أقسام المعهد اسمه قسم النقد، ولكن الحقيقة أن اسمه قسم الأدب المسرحى. وقال: نحن هنا لدراسة تاريخ وفنون المسرح ومناهج النقد والفلسفة والموسيقى والرسم والنحت والأدب المقارن، ولك بعد التخرج أن تعمل مدرساً للمسرح أو مخرجاً أو مؤلفاً أو ناقداً، أو تعمل فى أى مجال ولا تكون لك أى علاقة بالمسرح. وضرب المثل بكلية الحقوق، فهى لدراسة القانون، وقد يصلح الخريج قاضياً أو محامياً أو وكيلاً للنائب العام، وقد يمارس عملاً لا علاقة له بالقانون من قريب أو بعيد.

هذه مقدمة قد تبدو طويلة، ولكنها ضرورية لتناول موضوع هذا المقال، والإجابة عن سؤال العنوان، فهناك فى مصر معهد لا مثيل له فى العالم اسمه معهد النقد الفنى، أى أن من المفترض أن يعمل خريجوه نقاداً للفنون، ولو كان مندور حياً لرفض إقامة هذا المعهد لأسباب علمية بحتة، وهناك فى مصر الآن «ورش» للنقد يفترض أيضاً أنها لتصنيع النقاد فى السينما وغيرها من الفنون.

ولعل أغرب ما حدث فى هذا الصدد قرار قيادات حزب البعث فى العراق فى سبعينيات القرن العشرين الميلادى الماضى بإنشاء نقاد سينما فى العراق، وتكليف المؤسسة العربية للدراسات فى بيروت بإصدار الكتب لهم، وذلك بسبب ملاحظة قلة عدد نقاد السينما العراقيين، وهو مثل أغلب قرارات البعث غير المسبوقة فى التاريخ! ليكن المعهد لدراسة نظريات الفنون، مثل معهد نظرية السينما فى موسكو مثلاً، ولتكن الورش لدراسة تاريخ ومناهج النقد السينمائى، ولكن لا توجد «شهادة» يصبح حاملها ناقداً بمقتضاها، النقاد لا يصنعون، وإنما يوجدون بتضافر عدة عوامل وظروف تاريخية، وشخصية، لا يمكن تحديدها سلفاً، سواء فى الثقافة العربية أو غيرها من الثقافات.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية