استيقظ أهالى منطقة «الصحابى» بوسط أسوان على لافتة تعلن بداية تطوير المنطقة، والتى صنفتها الدولة ضمن المناطق العشوائية غير الآمنة، لكنهم فوجئوا بأن خطة التطوير تعنى تهجيرهم بشكل قسرى من منازلهم بما يتضمنه ذلك من نزع ملكيتهم والاستيلاء على ممتلكاتهم، وفق قرار المحافظ رقم ٢٦٦ لسنة ٢٠١٠، لتبدأ الهجرة الثانية لسكان أسوان داخل محافظتهم، مستعيدين ذكريات هجرة أهالى النوبة وقت بناء السد العالى.
ورغم إعلان المحافظة عن نيتها تعويض السكان فإنهم رفضوا وبشكل قاطع التعويضات التى عرضت عليهم لعدة أسباب من بينها أن أسلوب حصر الأسر فى المنطقة يتم بطريقة غريبة إذ يحتسب البيت كمنزل واحد تقطن به أسرة واحدة، كما أن شقق منطقة الصداقة القديمة التى عرضت عليهم لا تتجاوز مساحتها 30 متراً، وتتكون من حجرة وصالة لا تكفى لأسرة مكونة من 4 أفراد.
ولم يمنع رفض الأهالى واعتراض المنظمات الدولية على تهجير السكان قسريا محافظ أسوان من إصدار قرار فى 10 يوليو الماضى ينص على: «يستولى مؤقتاً ولمدة 3 سنوات على العقارات اللازمة لمشروع تطوير منطقة الصحابى، وتقوم الوحدة المحلية لمركز ومدينة أسوان بسرعة اتخاذ الإجراءات لنزع ملكية هذه العقارات»، ولم ينص القرار على أى تعويضات لأصحابها، أو يذكر معلومات عن مصير سكان الصحابى.
قال جميل حسين، مدير إدارة قانونية، بإحدى المؤسسات الحكومية بأسوان: قبل نصف قرن كانت المنطقة تسمى «الزلابية» وترجع هذه التسمية إلى فترة بناء السد العالى، حيث كان العمال الذين يعملون فى بناء السد يشترون منها حلوى «الزلابية» وهم فى طريقهم إلى العمل. اليوم، تقع منطقة «الصحابى» فى وسط أسوان، على مساحة 22 فداناً ويسكنها حوالى 1500 أسرة وفقا لتقديرات منظمة العفو الدولية.
وأضاف حسين أن أهالى المنطقة فرحوا فى البداية بمشروع التطوير، وتوسيع الشوارع لكنهم فوجئوا بأن إخراجهم من منازلهم هو أول خطوة لـ«إبادة المنطقة بالكامل».
وأشار إلى أن «أراضى منطقة الصحابى كمعظم مناطق محافظة أسوان هى فى الأصل ملك للدولة، لكن الناس سكنوها وبنوا عليها منذ فترة طويلة، فيما يعرف باسم الحكر، وبموجب قرار قديم لرئيس الجمهورية جرت تسوية أوضاع سكان هذه المناطق، وتملكوا الأراضى التى يعيشون عليها، حيث دفعوا 15% من قيمة الأرض، والباقى على أقساط سنوية»، وفى كل مناطق أسوان تملك الناس أراضيهم بهذه الطريقة، إلا منطقة الصحابى، بسبب فتح باب التمليك فى فترات ضيقة ومحددة للغاية، لا يعرفها سوى من لهم علاقات جيدة مع المسؤولين، ولذلك لم يستطع معظم سكان المنطقة تملك أراضيهم.
وقال إن المسؤولين فى الحى ومجلس المدينة هم السبب فى عشوائية المبانى بالمنطقة، لأنهم «دفعوا الناس إلى البناء دون ترخيص، ولم يمنحوا عقود التمليك إلا لأصحاب النفوذ»، متهما المحافظة «بأنها تريد تطوير المنطقة لمصلحة حيتان الأراضى، الذين لم تعد أمامهم مناطق أخرى للاستثمار بالمحافظة إلا منطقة الصحابى وسط أسوان».
ويبدو أن موقع «الصحابى» المتميز هو ما يجلب لسكانها خطر التهجير. يقول الدكتور أحمد المهدى، الأستاذ بجامعة جنوب الوادى، إنه بعد تعليق اللافتات التى تعلن البدء فى تطوير المنطقة، اجتمع سكان الصحابى وعدد من القيادات التنفيذية بالمحافظة، على رأسهم السكرتير العام المساعد لمحافظة أسوان، وأوضح المسؤولون أن المنطقة «ستتم إزالتها بشكل كامل، وستقسم إلى شوارع وحدائق عامة، لكن الشكل النهائى للمكان لم يحدد بعد».
وأشار المهدى إلى أن موقع منطقة الصحابى وسط مدينة أسوان «كان السبب فى استثناء سكانها من قرار تسوية أوضاع سكان الحكر»، وقال: «ترددت فى تلك الفترة شائعات تقول بأن هناك منحة مالية لتطوير المنطقة، وأن أسعار الأراضى بها سترتفع بشكل كبير بسبب موقعها».
وأشار إلى أن المحافظة لم تنذر سكان المنطقة ولم تتفاوض معهم، واصفاً ما يحدث بأنه «خطة لتدمير ما هو موجود والبناء على أشلاء الناس لصالح طبقة ثانية.. ما يحدث تهجير قسرى وإخلاء بالارهاب، وسنقاومه بكل الطرق القانونية».
تتداخل الحوارى والأزقة فى منطقة «الصحابى» لتصب فى شوارع أوسع قليلاً بها عمارات ومحال، ويتفاوت حال السكان فى المنطقة فالبعض يسكن غرفاً بسيطة من طابق واحد تشاركهم فيها حيوانات، والبعض الآخر استطاع تطوير منزله وتشطيبه.
يقول أحمد على، أحد سكان المنطقة، إن «الأهالى ليس لهم ذنب فى حال المنطقة، فكلهم يريدون بناء مساكنهم بشكل لائق، ولكن تعنت أجهزة الحكم المحلى فى تمليك الأراضى، منعهم من البناء بشكل صحيح، بدليل وجود بعض العقارات الحديثة، والتى استطاع أصحابها تملك الأرض»، مشيرا إلى أن المنازل فى المنطقة مهددة بالإزالة بسبب عدم وجود عقود تمليك تمكن الأهالى من البناء بشكل صحيح «فالمنازل مهددة فى كل لحظة بالإزالة بحجة عدم وجود عقود تمليك».
وأضاف أن الطريقة التى اتبعتها المحافظة فى التفاوض مع السكان بشأن الإخلاء أثارت استياءهم، حيث اجتمع مسؤولو المحافظة «بكل جماعة على حدة»، موضحاً أن المحافظة سلمت بعض الشقق للأقباط فى منطقة الصداقة الجديدة، فيما يعد «نوعاً من التفرقة العنصرية».
وتابع أن «المحافظة تريد أن تبيع لنا الأراضى التى نعيش عليها بسعر السوق، ونحن لا نعرف كيف نشترى أرضنا وبأى سعر»، مشيراً إلى أن «خطة التطوير التى أعلنتها المحافظة تثير الشك، وتعطينا انطباعاً بأن المحافظة تريد بيع المنطقة لمستثمرين».
وأكد بيشوى صليب، أحد أهالى منطقة الصحابى، كلام على قائلاً: «إن السكرتير العام المساعد التقى سكان المنطقة من الأقباط بنادى الشبان المسيحيين (نادى الواى) وأبلغهم القرار، وبأن المحافظة ستدفع لهم تعويضات وتمنحهم شققاً فى الصداقة القديمة، والشقق هناك لا تتجاوز مساحتها (غرفة وطرقة)».
ردة فعل الأهالى اتجهت إلى التمسك بمنازلهم كما يؤكد أحمد إسماعيل، موظف، ولكن سكرتير عام المحافظة هددهم قائلا «من يرفض الخروج فإن سكينة اللودر ستكون جوه بيته»، مما اضطر عدد منهم إلى الموافقة والقبول بالتعويضات التى قدمتها المحافظة، رغم «ضآلتها» - على حد قوله.
وأضاف إسماعيل، أن «منطقة الصداقة القديمة التى يريدون تهجيرنا إليها هى بؤرة للمخدرات والكلاب الضالة، لا نأمن على سلامة أولادنا بها».
على مدخل عقار حديث من عدة طوابق وقفت وحيدة الشاذلى، سيدة عجوز من سكان المنطقة، ترقب أبناءها وهم يضربون تلال القطن والمراتب المحشوة بالعصى الخشبية. قالت: «أعيش مع أسرتى فى الصحابى منذ 50 عاما، كل حياتى وحياة أبنائى وعملهم بالمنطقة. نعمل فى تنجيد القطن ونعيش هنا بكرامتنا». وأضافت: «نرفض الهدم، ولو كان الهدف تطوير المنطقة لنا وعمل شوارع بها ليستفيد بها أهل المنطقة فنحن مستعدون، لكننا لن نترك منازلنا حتى لو هدمت فوق رؤوسنا».
من جانبه، أكد اللواء مصطفى السيد، محافظ أسوان، حتمية تطوير منطقة الصحابى بعد أن أدرجها جهاز تطوير العشوائيات كمنطقة خطرة من الدرجة الثانية عام 2005، مشيرا إلى أن «المنطقة تضم 527 منزلا، ولا يتجاوز عرض الشوارع بها مترين، ولا توجد بها مبان يمكن اعتبارها ثروة عقارية»، مشددا على أن «التطوير لا يمكن أن يتم إلا بعد إخلاء المنطقة بالكامل وهدمها وبنائها من جديد»، نافيا أن يكون الهدف من ذلك هو « إخلاء السكان قسريا وتشريدهم».
وقال السيد إن «الهدف الوحيد من خطة التطوير هو النهوض بمنطقة الصحابى،» موضحا أنه «سيتم نقل الأهالى الذين يسكنون فى شقق بالإيجار إلى شقق تمليك بمناطق الصداقة الجديدة والقديمة، هو ما يعتبر نهضة لأهالى المنطقة».
وأكد أنه تم إبلاغ الأهالى وعقد اجتماعات معهم فى مقار الجمعيات الأهلية بالمنطقة، وأن جميع من خرجوا من منطقة الصحابى حتى الآن خرجوا برضاهم، ولم ولن يتم إجبار أحد على ترك منزله.
وقال المحافظ إن المشروع لا علاقة له برجال الأعمال كما يدعى البعض، مشيرا إلى أن «جميع السكان سيتم تعويضهم باستثناء واضعى اليد على أراضى الدولة، والذين ليست لديهم عقود تثبت تملكهم لأراضيهم».
وأشار إلى من يملك أرضاً سيحصل على 60 % منها وإذا أراد الحصول على الباقى فعليه دفع ثمن باقى المساحة، تحت بند «مصاريف تطوير»، أما من يملك شقة غرفة وصالة فيحصل على شقة بديلة أو مبلغ 40 ألف جنيه، ومن يملك شقة غرفتين وصالة فسيحصل على تعويض يبلغ 50 ألف جنيه أو شقة بديلة»، لكن المتعدى على أراضى الدولة فليست له أى حقوق».
وأكد أن الهدف من المشروع هو تطوير المنطقة وحماية سكانها وقال: «لو حدث حريق الآن فسيموت سكان المنطقة».
فى المقابل أعلنت منظمة العفو الدولية تضامنها مع سكان الصحابى، وقال محمد لطفى، باحث فى مكتب المنظمة بلندن، إن حالة أسوان ليست فريدة من نوعها، فالمناطق غير الآمنة فى مصر يتم التعامل معها بشكل منفرد من قبل السلطات منذ حادث الدويقة، وربما قبل ذلك، وعلى السلطات أن تتعامل معهم بإشراكهم فى التطوير وليس نبذهم خارج المدينة».
وأضاف «إن المنظمة تتضامن مع 1500 أسرة تسكن الصحابى، وترى أن لهم الحق فى مسكن ملائم، وعلى السلطات أن تتوقف عن تنفيذ أى خطة لإخلاء السكان بشكل قسرى، ويتضمن ذلك القيام بالتشاور مع السكان على بدائل الإخلاء وسبل التعويض، وكذلك إبراز أى قرار للإخلاء حتى يتمكن السكان من الطعن عليه بالسبل القانونية المشروعة المتاحة طبقا للقانون المصرى والتزامات مصر الدولية».
وقالت المنظمة إن منطقة الصحابى نمت بطريقة غير رسمية، عن طريق «وضع اليد» على الأرض الخالية والبناء عليها، ويدعى بعض السكان ملكيتهم للأرض لأن القانون المدنى المصرى قبل عام 1957 كان يسمح للأشخاص الذين «يضعون اليد» على الأراضى الخالية بامتلاكها بعد مرور 15سنة على إشغالها. ويدعى بعضهم أن ملكيتهم بوضع اليد أصبحت قانونية أو أنها تمر بإجراءات تقنينها بدفع ثمن محدد للأرض إلى محافظة أسوان. بيد أنه من غير الواضح ما إذا كانت إجراءات التقنين هذه تشكل ضمانة قانونية كاملة لحيازة الأرض وحماية سكانها من الإخلاء.
وأشارت إلى أن محافظ أسوان أعلن، فى يونيو الماضى، أن مجلس الوزراء خصص مبلغ 30 مليون جنيه مصرى «لتطوير منطقة الصحابى العشوائية» بعد أن صنفها صندوق تطوير العشوائيات بأنها «منطقة غير آمنة».
وصندوق تطوير العشوائيات هو صندوق يضطلع بمهمة تنسيق جهود الحكومة للتعامل مع المناطق العشوائية ووضع خطط للتعامل معها ضمن أولوية «المناطق غير الآمنة». تم تأسيسه فى أكتوبر 2008، عقب حادث الانهيار الصحراوى فى منطقة «الدويقة» بالقاهرة، الذى أسفر عن مقتل ما لايقل عن 119شخصاً. وقد حدد الصندوق 404 «مناطق غير آمنة» فى مصر، وقدرت عدد سكانها بنحو 850 ألف نسمة، ومنها 10 «مناطق غير آمنة» فى محافظة أسوان.
وأشارت المنظمة إلى أنه لايزال بمصر نحو ١٢ مليون نسمة يعيشون فى المناطق العشوائية، التى تطلق عليها السلطات المصرية اسم «مناطق غير آمنة»، لأنها مهددة بتساقط الصخور، أو لأنها بنيت بمواد مؤقتة، أو لأنها تقع تحت خطوط الكهرباء عالية الجهد.
وقالت المنظمة فى مقال لأمينها العام سليل شطى،إن السلطات المصرية وضعت خططا للتعامل مع هذه المناطق «غير الآمنة» دون تشاور حقيقى مع المحليات، مضيفة أن الأمم المتحدة تؤكد أن استمرار «الإخلاء القسرى» لهؤلاء السكان سيدفع بهم للفقر المدقع.
وأشارت إلى أن «عمليات الإخلاء القسرى أدت فيما سبق إلى تشريد العديد من الأشخاص الذين أصبحوا بلا مأوى أو حصلوا على سكن بديل غير كاف. ولم يجرِ أى تشاور حقيقى بشأن إعادة إسكان من تم إخلاؤهم، كما أن هؤلاء لا يتلقون أى إنذار مسبق بشأن خطط إخلائهم أو يبلغون بما إذا كانوا سوف يحصلون على سكن بديل أم لا، وقالت إن «هناك 14800 أسرة تواجه خطر الموت الداهم فى منشأة ناصر وحدها، طبقاً لتقديرات أعلنتها محافظة القاهرة».
شاهد فيديو «تهجير الصحابى »على الرابط التالى:
www.almasryalyoum.com/node/194543