x

جيهان فوزي أنفاق تجارة الموت.. أم صياغة الحياة؟ جيهان فوزي الجمعة 05-02-2016 21:18


من التهديد بنشوب حرب جديدة على غزة، إلى تسارع الاستعدادات الميدانية واللوجستية لاستقبال أي حرب قادمة، تتطاير أخبار انهيار أنفاق يتم حفرها على قدم وساق بين غزة وإسرائيل، أفضت إلى استشهاد عشرة أشخاص من عناصر كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، وفى خطبة التشييع المهيب الذي نظمته الحركة لشهدائها الذين اعتبرهم إسماعيل هنية، رئيس الحكومة المقالة، «شهداء الخيار الاستراتيجى» ووصفهم بأنهم شهداء الخيار والسلاح الاستراتيجى لتحرير الأسرى وفلسطين؟ تبدأ نبرته الخطابية بالحماس الذي لا يخلو من استعراض القوة لليائسين من الأوضاع الراكدة علها تدفع في عروقهم شحنات الأمل، ثم لا يلبث أن يزأر بالتهديد والوعيد في استهانة واضحة لتهديدات الاحتلال الإسرائيلى التي لن تخيف المقاومة وتستعد بكل ما أوتيت من قوة لمواجهته!!

دأبت حركة حماس على بناء الأنفاق منذ الحصار الذي فرض على قطاع غزة قبل نحو ثمانى سنوات، فكانت البداية لإمداد القطاع بالسلع الغذائية والتموينية ومواد البناء التي يفتقدها بحكم الحصار عن طريق الأنفاق التي حفرتها بينها وبين الحدود المصرية، وسرعان ما تمدد نشاطها فتحولت إلى تهريب الأسلحة والعتاد والمتسللين المطلوبين أمنيا من وإلى القطاع، وأصبحت خطرا داهما يهدد الأمن القومى المصرى، الأمر الذي تحول إلى نقطة فارقة في العلاقة بين حماس ومصر؟ وفى المقابل تبلورت وزارة مستقلة مسؤولة عن تلك الأنفاق تديرها الحركة وتكسب من ورائها ملايين الدولارات، وشكل منعطفا تاريخيا في حياة حركة حماس والسيادة المصرية على حدودها على حد سواء، لما تشكله الأنفاق من اختراق للسيادة والأمن المصرى، وما تحمله في باطنها من تهديد صريح لمصر التي تعانى من الإرهاب على جبهة سيناء وما يحاك لها من مؤامرات خارجية استخدمت فيها حماس يدا من أياديها.

لكن حماس اختارت أن تظهر في ثوب الضحية التي تحاول إنقاذ غزة من الحصار والتجويع بالإضافة إلى تأمين نفسها بالعتاد والسلاح لمواجهة العدو الإسرائيلى الذي يشن الحروب على القطاع بشراسة ودون هوادة، فأصبحت الأنفاق سلاحا ذو حدين وغصة في حلق العلاقة بين الطرفين قوامها الكر والفر والشد والجذب والنفى والإثبات، وعلى الجانب الآخر من الحدود بين غزة وإسرائيل كان هناك أيضا أنفاق حفرتها حماس لمواجهة إسرائيل في أي حرب محتملة دمرت إسرائيل معظمها في الحرب الأخيرة على غزة عام 2014.

ومع تصاعد وتيرة التصريحات الإسرائيلية المتكررة التي تلوح بحرب جديدة على غزة، بدأت حماس الاستعدادات الحثيثة لمواجهة الحرب بإعادة بناء ما تم تدميره من الأنفاق وفى رحلة الاستعداد والتجهيز فقدت عشرة من عناصرها في انهيارات أنفاق تشرع في بنائها، نعتهم جميع الفصائل الفلسطينية عدا حركة فتح، التي اتهمت حماس عبر صفحتها الرسمية على حسابها في فيس بوك بالمتاجرة بسكان غزة، فهى ترى أن حماس لا تحمل لغزة وشبابها سوى الحروب، فتجار الحروب من الذين لا يعرفون شيئا عن الحياة سوى دفن شبابهم بالرمال، وطمس معانى العيش بحرب أو انتظار حرب جديدة، غير مبالين لأى معادلة لها علاقة بالضحايا الجدد، وتساءلت: متى سيعلم هؤلاء أنهم يعبثون بمقدرات الشباب وأحلام المقهورين في غزة؟ ومتى سيدركون أن تقديم الأطفال لقمة سائغة لمنظومة السلاح الإسرائيلية في أي مواجهة قادمة لن يغير من الواقع شيئا سوى أرقام تضاف لقوائم الشهداء في مراكز الإحصاء.

وكون التصيد للأخطاء بين حماس وفتح لا تخطأه عين، فقد ردت حماس على اتهامات فتح متفاخرة بعناصرها الذين يجتهدون لحفر الأنفاق ويستعدون لحماية فلسطين!! والحقيقة أن كلاهما فتح وحماس لا يعنيهما أمر سكان القطاع قدر ما يعنيهما تحقيق مكاسب استراتيجية وسياسية على حساب القطاع وسكانه المنكوبين، ولم يسأل أي منهما ماذا يريد أهالى القطاع لأنفسهم أو يأخذوا برأيهم عما يرونه صائبا لهم، وهل هم راضون عما ترتكبه حماس من خطايا بحق استقرارهم تحت مسمى رد العدوان؟ ومن المسؤول عن جر القطاع لحرب تلو الأخرى مخلفة الدمار والموت والمشاهد المأساوية المؤلمة العالقة في الذاكرة، والتى لا تسقط بالتقادم؟؟

لا أعتقد أن سكان القطاع المحكومين بالحديد والنار وسياسة تكميم الأفواه من حكومة حركة حماس، سعداء بما تقوم به الحركة من ممارسات لن تجنى عليهم سوى المزيد من الخراب والدمار تحت بند المقاومة التي لا تحقق لهم أي إنجاز يذكر سوى المزيد من المجازر والفواجع!! وإلا.. فهل تم إعادة الأعمار منذ الحرب الأخيرة التي أقر له 4 مليارات دولار (تبدوا سرابا) لإعادة قطاع غزة إلى الحياة؟؟ أم لايزال القطاع يرزح تحت خط الفقر والحصار ومخلفات الدمار والصراع والسجال والاستعداد من جديد لاستقبال حرب أخرى ودمار آخر كان ينقص غزة؟! وفى المقابل ماذا تريد حركة فتح التي بدأت تفقد وهجها وتراجع دورها في الشارع الفلسطينى، وانحسر مؤخرا في الصراع الداخلى والدوران في فلك المفاوضات اللانهائية التي أفضت إلى فشل ذريع، ووقوعها في شرك المزيد من القيود الإسرائيلية المشرعة في تكبيل قراراتها المصيرية، لتبقى أسيرة عاجزة ومحنطة بوعود وهمية نأت بعيدا عن الهدف وطموح حل الدولتين أو دولة مستقلة على حدود عام 1967 التي أقرتها اتفاقات أوسلو؟ أما التساؤل الأدهى والأمر والمثير للعجب.. هل يعقل أن تستمر مفاوضات كل هذا الوقت تستنزف الجهد والقدرات والحقوق دون أن تحرز أي تقدم يذكر؟! وحقيقة الأمر أنها أفضت إلى سلطة عاجزة ورئيس ضعيف، ترك الساحة تعج بالخلافات والتناقضات والاختراقات حتى إنه يتعرض للانتقادات من داخل حزبه، وحركته «فتح» تجلس على حافة بركان من الصراعات الخفية والعلنية، وإسرائيل تستثمر كل الظروف الخارجية والداخلية لاستغلالها وتوظيفها في أي حلول مقبلة، سواء كانت بإعلان حرب جديدة والعمل الدؤوب لتسويق بضاعتها من الآن خارجيا، أو استنزاف فرص السلام الذي ولد ميتا، لتقنع العالم أنه لا يوجد شريكا حقيقيا للسلام، وأن الفلسطينيين ليسوا مؤهلين لحمل رايته التي ترفرف منذ أكثر من عقدين في عنان السماء الملبدة بغيوم الصراعات!.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية