x

إبراهيم الجارحي الإخوان لوجيك إبراهيم الجارحي الأحد 27-12-2015 23:04


تابعت ما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية عن حادث إطلاق حرس الحدود المصري النار على متسلل فلسطيني عبر الحدود البحرية بين مصر وقطاع غزة، ولم يكن الغرض من هذه المتابعة فهم واقع أو قراءة ردود الفعل بقدر ما كان غرضها إحصائيا بحتا.

وفائدة هذا الإحصاء في مثل هذه الحالات هو أنه يكشف بسهولة عن الردود المقررة، والتعليقات المعممة على الأحداث، وهي في العادة ردود بها قدر من المنطق المقبول وإن كان سقيما من الزاوية الوطنية، لكنه صالح للاستخدام في الجدل الذي تفجره أحداث كهذه في العادة.

كان التعليق الأول على قتل المتسلل الفلسطيني من ناحية مؤيدي قتله هو استغراب وجود كاميرات لتصوير الحادث، وعدم اعتراض الجانب الفلسطيني على الحدود على عبور المتسلل واكتفائهم بالإشارة إلى الجنود المصريين بأنه مختل ذهنيا، وهو تعليق يتبنى منطق المؤامرة الصريحة الذي يفترض أن الجانب الفلسطيني سيئ النية، وأنه أرسل مختلا ليعبر الحدود فتتورط القوات المصرية في قتله بينما تقف كاميرات الجزيرة متأهبة لالتقاط المشهد الذي حولته بعدها إلى مادة رئيسية لتغطيتها الإخبارية طوال يوم كامل.

أما التعليق الأول من الجانب الآخر فهو أن إثيوبيا حولت مجرى النيل ليمر للمرة الأولى عبر سد النهضة، فلم تتكلم مصر وفضلت أن تقاتل مختلا فلسطينيا على الحدود، وكأن المنطق يفترض أن تتخلى مصر عن أمن حدودها ما دامت لا تقدر على السيطرة على أزمتها مع إثيوبيا.

وكان التعليق الثاني من جانب مؤيدي استخدام القوة المسلحة في حماية الحدود هو أن مصر دولة ذات سيادة لها الحق قانونا في حماية حدودها بكل الطرق المتاحة دون أن يفسر تصرفها على أنه تعسف في استخدام القوة، بينما قرر الجانب الآخر أن إطلاق النار على المتسلل مخالف للإنسانية، والإنسانية لفظ يزداد مطاطية واتساعا كل يوم حتى تحول إلى معنى يطابق الهوى يسير معه وجودا وعدما.

أما القصة الأكثر سذاجة فهي أن المتسلل كان يتلقى العلاج من مرضه العقلي في مصر، لكن إغلاق معبر رفح حرمه من العلاج فاضطر إلى السباحة حول الحدود البحرية بين مصر والقطاع، وهي قصة من المفترض أن تكون مبكية، لكنها جاءت مضحكة على طريقة تياترو مصر الذي لا يضحك إلا من لديه رغبة في الضحك فحسب.

فإلى جانب أن المتسلل من المفترض أنه مريض بعقله، ومن المفترض أن نظن أنه تسلل عبر الحدود من باب الجنون، هو ذاته الشخص الذي يفترض أن نصدق أنه اتخذ موقفا واضحا ومرتبا وعاقلا إلى درجة الإحراج السياسي لمصر التي تغلق المعبر عن الحالات الإنسانية، والحقيقة أن المجنون هو من يبتلع عقله هذه القصة البلهاء دون مناقشة.

لكن المناقشة امتدت إلى تحليل المفهوم المتناقض للإنسانية على الناحيتين، خاصة وأن حماس تقتل فلسطينيين على هوية انتمائهم لحركة فتح، وتسحل جثثهم في الشوارع بتهمة الخيانة، أو تقتلهم في سجونها ثم تدعي أنهم قتلوا في قصف إسرائيلي، وتعتقل جثث الشهداء بدعوى أنهم ما زالوا على قيد الاعتقال حتى بعد إعدامهم، وتقتل عائلات الشهداء رميا بالرصاص في مناسبات عديدة، فأي نسبية تلك التي يمكن أن يحكم عليها لفظ الإنسانية؟

هناك بالطبع تساؤلات منطقية عن غياب كاميرات الجزيرة عن هذه الأحداث التي ترتكب حماس أكثرها في الشارع وعلى مرأى ومسمع من الجميع، وهناك تساؤلات منطقية عن موقف «الإنسانيين» المصريين من أحداث كهذه مقابل موقفهم الإنساني من مقتل متسلل فلسطيني على الحدود، وهناك تساؤلات أكثر عمقا عن الجدل بين مفهوم الأمن من ناحية، ومفهوم المواءمة الإنسانية أو السياسية، وعنوانها أن أوروبا لا تقتل اللاجئين الذين يسبحون في البحر إلى أراضيها بينما تطلق مصر عليهم الرصاص.

وربما لم نصل بعد إلى إجابات في هذا الشأن، لكن المؤكد هو أننا توصلنا إلى نقطة من انعدام المنطق العقلي السليم في مناقشتنا للأحداث، فقد تحول المنطق إلى مادة للهوى وانحياز النفس، وأصبح من العبث إدارة نقاش أو تبادل رأي في ظل غياب أي قاعدة منطقة ثابتة عقلا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية