أيام قليلة وتحملنا عقارب الساعة من عام إلى آخر، فأهنئكم جميعا ببدء عام جديد، وأتمنى من الله أن يكون عامًا يحمل معه الخير والسلام إلى «مصر»، و«الشرق الأوسط»، وخاصة «سوريا» و«العراق» و«ليبيا»، والعالم بأسره.
وإن كان للعام الجديد بهجة يحتفل بها العالم، فإنه يجب أن يحمل معنى عميقاً لكل إنسان، إذ يرمز إلى البداية التى يتذكرها الإنسان فتكون له قوة تساعده على التقدم وتعديل المسار فى طريق حياته. ولكى يستطيع الشخص تحقيق ذلك، عليه التطلع وإلقاء نظرات سريعة فى العام المنقضى، لا ليسكن بذكرياته فى ثنايا أيامه، ولكن ليُدرك ويفهم ويعدّل ويخطو إلى الأمام. فمن أراد التقدم وتحقيق الإنجازات، عليه أن يفكر ويخطِّط ويعمل بصبر وجَلَد، ويغيِّر من نفسه بدلاً من أن يغير العالم مِن حوله.
يعتبر بعض الأشخاص أن كل عام جديد هو عام يتقدم بهم فى العمر، فى خَطوات ثابتة نحو الشيخوخة، إلا أن الشيب لا يعنى الشيخوخة، فالشيخوخة الحقيقية لا تُعد بأيام العمر، بل هى تسكن العقول التى أرادت لنفسها الجمود والتوقف أمام عقبات الحياة وصعابها، وتلك التى تملَّكها اليأس ولم يعُد لوهج الأمل والرجاء مكان فى حياتها. أتذكر قصة واقعية سمعتها عن أحد الرجال الذى فى الاحتفال بعيد ميلاده الستين قد تحدث مع أصدقائه عن آماله وأهدافه وخُططه لحياته خلال عَشْر سنوات قادمة. وفى عيد ميلاده السبعين، فاجأ أصدقاءه بخُططه وما يأمُل تحقيقه لعَشْر سنوات تالية! وعندما حل عيد ميلاده الثمانون، بُهر الجميع معبرين عن دهشتهم حين حدثهم عن تلك الخُطط التى أعدها لعَشْر سنوات ثالثة! إن مثل هذا الرجل هو إنسان لا تعرف الشيخوخة طريقها إلى فكره، ويُدرك أهمية كل دقيقة فى الحياة التى وهبها الله له، فيسعى نحو استخدامها فى العمل والتطور والنجاح، وهذا يُعد أحد أسرار العظماء.
لذلك أدعوك، قارئى العزيز، إلى أن تجعل العام الجديد بالفعل «جديدًا»!
«جديداً» فى الرؤية
ليكُن «جديدًا» فى رؤيتك لأهداف حياتك، فإن لم تكُن لديك، اجلِس إلى نفسك وحدِّد آمالك وأحلامك فى أفكار، وابدأ التفكير فى الأسلوب المناسب والمتاح لتحقيقها فى خطوات متتالية عملية، ثم ابدأ فى الحال دون تردد، فيكفيك ما ضاع من وقت. وعليك أن تؤمن بما وضعته لنفسك من أهداف، فكما قيل: «عندما نؤمن بما وضعناه لأنفسنا من أهداف، فإننا نبحث عن وسائل لتحقيقها، وسنجد». ولا تدَع اليأس يَندَسّ إلى حياتك ويهزمك من داخلك، فالهزيمة والفشل يبدآن من داخل الإنسان لا من خارجه. إن الوصول إلى الأهداف التى وضعتها لذاتك هو النجاح الذى تحققه بالفعل، وهى تحتاج إلى عمل ومثابرة وصبر، فالمخترع العبقرى «توماس إديسون» الذى سجل قرابة ١٣٠٠ براءة اختراع يقول: «إن ما حققتُه من نجاح هو ثمرة عمل يمثِّل الذكاء فيه ١%، فى حين المثابرة والجد يمثِّلان ٩٩%». وكثيراً ما يتنازل الإنسان عن أحلامه وأهدافه فى الحياة بسبب ما يلاقيه من صعاب تكون كالصخور التى تعرقل تقدمه فى الطريق، لكن: هناك من يعتبرها عوائق توقف استمراره فى التقدم وتسبب له التراجع، وهناك من يستند إليها ويتسلقها ليرتفع إلى أعلى، فأنت: أى النَوعين تكون؟
«جديداً» مع الآخرين
أيضاً ليكُن عامك «جديداً» فى معاملاتك مع الآخرين، خصوصاً المختلفين عنك، وكما قيل: «كلما تقدم بك العمر، ازددت إدراكاً ويقيناً لتلك الحقيقة وهى أن لك يدَين: يدًا تساعد بها نفسك، والأخرى لتساعد بها الآخرين». فأنت لا تعيش الحياة بمعزِل عن الناس، أو فى دوائر مغلقة على ذاتك ومن يوافقك الرأى فقط، ولكن عليك أن تتعلم كيف تعامل الآخرين فى تفاعل إيجابى وأنت بذهن مستنير وقلب ممتلئ بالمحبة نحوهم؛ وهذا لا يعنى أن تتأثر بالآخرين وتفقد ذاتك، إنما أن تكون إنسانًا لم يفقد إنسانيته وسْط العالم. والاختلاف لا يعنى العداء، فكما يقول الزعيم الهندى «غاندى»: «الاختلاف فى الرأى ينبغى له ألا يؤدى إلى العداء، وإلا كنتُ أنا وغيرى من ألد الأعداء». وفى رحلة معرفتك بالآخر، ستجد أموراً قد تكون أجمل وأفضل بكثير مما كنتَ تظنها، وقد تكتسب من الشخصيات الرائعة ما لا يجود بمثله الزمان كثيراً، إضافة إلى التنوع الذى يُثرى الحياة والمجتمع فينموان بلا عائق أو مانع.
«جديداً» فى العمل
دَع عامك الجديد يصير «جديداً» فى العمل: أن تعمل فيه بفكر جديد، بمثابرة وإصرار عميقين، بروح جديدة. إن العمل هو الطريق لتحقيق الإنجازات التى يَعِدّها العالم معجزات وتحقيقاً للمستحيل. فكما يقولون: «إن العمل يمد الحياة بالأفكار الخلاقة» التى من خلالها يتطور فكر الإنسان ويحقق مزيداً من النجاحات.
اعمل بفكر جديد، يحمل ثقة بأن ما تؤديه من عمل سوف يُثرى أفكارك وشخصيتك فى الحياة، ويزيد من ثقتك بإمكاناتك التى وهبها لك الله تبارك اسمه. ففى العمل الجاد المخلص، تتدرب قدراتك، وتكتسب المهارات التى تُنميك وتقودك إلى النجاح. ربما مقاييس البشر تختلف ويبحث بعضهم عن الراحة، لكنها راحة تهتز وتتساقط مثل أوراق الشجر فى خريف العمر، إذ يكتشفون أن العمر مضى دون أن يحققوا شيئاً يُذكر. فتذكر: «إن العمل يمنح حياتك معنى وهدفًا تصبح الحياة دونهما جوفاء فارغة».
اعمل بمثابرة وإصرار، فإنهما جَناحا العمل اللذان يقودانك إلى النجاح. يقول رجل الأعمال «چون روكفلر»: «لا أظن أن هناك صفة ضرورية للنجاح أكثر أهمية من المثابرة والإصرار...»، فكثيرون صنعوا فى الحياة بصبرهم فى العمل وإصرارهم طُرقًا للنجاح، وسار على خطاهم كثيرون، إنهم لم يجدوا طرقًا ممهدة، بل صنعوا الطريق تاركين مثالاً للآخرين. فلولا المثابرة والإصرار على النجاح، ما كنا وجدنا عظماء مثل: «هيلين كيلر»، و«توماس إديسون»، و«أينشتاين»، وغيرهم كثيرين ممن اكتسبوا احترام العالم وتقديره.
وأخيرًا اعمل بروح جديدة مِلؤها الثقة بأنك تقدِّم دورًا ورسالة فى ذلك العمل الذى تؤديه مهما كان صغيرًا، وملؤها حب لما تقوم به، وحينئذ يشعر كل مَن تُعامله أنك شخص متميز تؤدى دورًا يختلف فى طابعه عن أدوار الآخرين. وهكذا تصل رسالتك فى الحياة دون كلمات، بل بأعمال تشهد لك عند الجميع.
وعند الحديث عن العمل، لا يمكننا أن ننسى الدور الملقى على عاتقنا جميعًا تجاه بلادنا الحبيبة «مِصر»، ولذا أتمنى أن نقدم إليها فى العام الجديد ذلك النوع من العمل الذى يحمل فكرًا جديدًا، ومثابرة وإصراراً يحطمان كل يأس، بروح جديدة تملؤها المحبة والتضحية. وكما شهِد العام المنقضى افتتاح مشروعات عظيمة عملاقة، سيشهد العام الجديد مزيداً من النجاحات والاستقرار، ومزيداً من النمو والرقى والتقدم. وأيضًا ليكُن العمل بصدق وإخلاص للحفاظ على أرض «مِصر» وسلام شعبها ورفعة شأنها، فإن «مِصر» بلد الأمن والأمان، مهد الحضارة والتاريخ. ليحفظ الله «مِصر» وقائد مسيرتها السيد الرئيس «عبدالفتاح السيسى» الذى لا يهدأ ولا يكل ليلاً ونهارًا من أجل إعادتها لمكانتها العربية والعالمية اللائقة والحفاظ على أرضها ورجالات أمنها وجيشها وشعبها، وليُعطِها الله ازدهارًا وعُلُوًا و... وعن «مِصر الحلوة» الحديث لا ينتهى...!
*الأسقف العام رئيس المركز
الثقافىّ القبطىّ الاُرثوذكسىّ