على غرار الإسناد بالأمر المباشر فى أعمال المقاولات، جاء التحالف الذى أعلنت عنه المملكة العربية السعودية، بعد منتصف الليل، دون مباحثات مسبقة، والذى قالت إنه إسلامى، وضم حسب الإعلان ٣٤ دولة، ليس من بينها دولة مثل إيران، التى لم يُعرض عليها الأمر، على الرغم من أنها قد تكون الأقوى عسكرياً فى العالم الإسلامى، وأخرى مثل إندونيسيا، التى أعلنت رفضها الانضمام، رغم أنها الدولة الأكبر من حيث تعداد السكان، وثالثة مثل سلطنة عمان، التى لا تأبه دائماً لمثل هذه الممارسات، على الرغم من أنها الدولة التى تجمعها بالسعودية الحدود الأكبر بين كل دول الخليج، وغير ذلك من الدول الإسلامية الأخرى، كالعراق والجزائر، والتى أصبحت محل تساؤل، دون إجابات مقنعة.
جاء الإسناد أو التكليف بانضمام الدول الأخرى، التى لم يكن يعلم بعضها بالحدث إلا لحظة الإعلان عنه، والبعض الآخر قبيل الإعلان، والبعض الثالث فى شكل مريب، بالتزامن مع إعلان إمدادها بالمال والنفط، كما هى الحالة المصرية، تحت عنوان رئيسى فضفاض، وهو الإرهاب، ما هو تعريف الإرهاب، لا يوجد تعريف، إرهاب مَن ضد مَن، لا توجد إجابة، إرهاب الأفراد أم إرهاب الدول، لا يوجد توضيح.
هذا الغموض الذى أحاط بذلك الإعلان، مما جعل بعض الدول تنفى موافقتها المسبقة، مثل ماليزيا ولبنان وباكستان وتركيا، إضافة إلى عامل المفاجأة لكثير من الدول الأخرى، التى آثرت عدم التعليق حفظاً لماء وجه الطرف الآخر، طرح فى الشارع تساؤلات استنكار مباشرة أيضاً، حول المسمى الحقيقى لما يجرى فى اليمن الآن، والذى يتعلق بتدخل عدد من الدول عسكرياً هناك، هل هو إرهاب، أو أى شىء آخر، أيضاً حول التصريحات الرسمية التى تتحدث عن ضرورة إسقاط الرئيس السورى، إن لم يكن بالسياسة، فبالقوة المسلحة، حول إمداد تنظيمات مسلحة بالمال والسلاح، هنا أو هناك، حول سياسات خارجية أو ممارسات داخلية، لعدد من الدول المشاركة، تصب جميعها تحت التعريف الدولى والأممى للإرهاب.
التنافر أيضاً واضح بين الدول التى وردت أسماؤها فى الإعلان السعودى، تنافر فى المواقف السياسية، تنافر فى العلاقات الثنائية، أزمات تصل إلى حد العداء فى بعض الأحيان فيما يتعلق بمصر تحديداً، كما هو الحال مع تركيا، أو إلى حد الجفاء، كما هو الحاصل مع قطر، أو التوتر كما هو الوضع مع السودان، ناهيك عن الاختلاف الكبير فى الرؤى، مع المملكة العربية السعودية تحديداً، حول معظم القضايا المطروحة على الساحة الآن، بدءاً من اليمن، مروراً بسوريا، وحتى فلسطين، بخلاف تباينات الشأن الداخلى.
هذا التنافر أو تلك الاختلافات، بالتأكيد سوف تظهر سريعًا على السطح مع أى أزمة مقبلة، أو مع أى مباحثات حول قضايا الساعة، حيث لا يُعقل أن توافق هذه الدولة أو تلك على الزج بأبنائها أو قواتها فى أتون حروب أو مواجهات، لا هدف منها ولا طائل من ورائها إلا إرضاء هذا النظام أو تلك الأسرة الحاكمة، فى مقابل مادى أو عينى، أياً كان حجمه، وذلك لأن الأمر فى الألفية الثالثة، اختلف كثيراً عنه فى ستينيات القرن الماضى، عندما كان يتم إرسال الجنود، هنا أو هناك، ثم يعودون فى أكفان، دون أن يُحرّك ذلك ساكناً للشعوب، التى كانت ترى فى ذلك الوقت أن القيادة السياسية أعلم بشؤون دنيانا، وربما ديننا أيضاً، وحتى من كان يدرك خطورة الموقف وخطأ القرار، لم يكن يستطيع أن ينطق بكلمة.
المهم أن الشعوب كانت ومازالت تُعبّر عن سعادة بالغة حين الإعلان عن أى تحالف من أى نوع، وكانت مثل هذه التحالفات تجد من الزخم الجماهيرى الكثير والكثير، بدءًا من إعلان إنشاء جامعة الدول العربية، على الرغم من أنها لم تأت على المستوى الذى كان يتطلع إليه المواطن العربى أو حتى منظمة الوحدة الأفريقية، ومنظمة دول عدم الانحياز، ومنظمة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبى، وما تخلل ذلك من تحالفات على مستوى أقل على غرار مجلس التعاون الخليجى أو اتحاد الدول المغاربية، رغم إخفاقه هو الآخر، أو مجلس التعاون العربى الذى ضم ذات يوم كلاً من مصر والعراق والأردن واليمن، أو حتى التحالفات الاقتصادية، على غرار الكوميسا والبريكس.
أما مع الإعلان عن إنشاء ذلك التحالف الإسلامى، فقد كان التوجس الشعبى، وربما الرسمى أيضًا، سيد الموقف، وعاملًا مشتركًا فى معظم الأقطار، للأسباب السابق ذكرها، وأخرى كثيرة، لا يتسع المجال لسردها إلا أن الأكثر دراما هو أن يكون التحالف بقيادة سعودية، فى وجود دول مثل مصر أو تركيا، أما الأكثر كوميديا، فهو أن دول التحالف لا تعلم عنه شيئاً، إضافة إلى ذلك، فإن أحداً لم يوضح ما هو مصير القوة العربية المشتركة، وكأنها ذهبت مع الريح، لمجرد أن أصحاب المال النفطيين أرادوا لها ذلك.