x

أحمد الدريني القاهرة والرياض.. من يقود من؟ أحمد الدريني الأربعاء 16-12-2015 21:26


يبدو أن السعودية تسعى للانفراد برسم مستقبل الإقليم، وتتبرم من أي وجهة نظر أخرى غير تلك التي تعتنقها.

سلوكها وتصريحات مسؤوليها ودرجة استنفارها العصبي، تعكس كل هذا وأكثر. لدرجة لم تعد معها الرياض هي الرياض التي كانت تفعل معظم ما تريد بطرق أكثر هدوءًا، وبصفقات معظمها خلف الأبواب المغلقة.

الآن كل شيء أضحى على الملأ تقريبًا.. الثواب والعقاب.

ترى المملكة أنها المؤهلة الوحيدة الآن لقيادة المنطقة، على أن تلعب دولٌ أخرى أدوارًا مساعدة، لكنها لا ترتقي لدرجة القيادة أو المشاركة أو حتى المحاصصة.

ولعل الوفرة المالية الهائلة والثروة النفطية السخية التي تقبع عليها المملكة، هي ضمانة الثقة المفرطة في الذات، والميل إلى النرجسية في رسمها لسياساتها الخارجية التي تتخذ يوما عن يوم صيغًا أكثر تأففًا من كل من لا ينطوي تحت جناحها.

فألمانيا اعتذرت رسميًا عن تقرير صادر عن مخابراتها، تحدث عن المملكة بما لا يعجبها. واقتصاد بريطانيا مهدد باهتزازة عنيفة لو كفت مصانع السلاح عن العمل لصالح الرياض، إذا ما غيرت الأخيرة رأيها في أي لحظة فيما تستورد من سلاح الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس.

ودول كبرى محشورة بين فكي المملكة، نفطها وما في جيدها من مصالح شتى.

غير أن هذا العملاق، على حد ما كشفت الوثائق المسربة من مراسلات وزارة خارجيته، تكشف عن لهاثه المحموم لإسكات أي صوت ينال منه أو يقترب منه بكلمة واحدة.

تأميم لأي مجال إعلامي يمكنه أن ينال من هيبة الوحش المضطرب المتوتر.

ووسط هلع تاريخي من الخصم الإيراني، وفي ظل عدم توافق كامل مع دول الجوار، يزداد انفلات عقال الأمور.

(2)

ومصر وسط كل هذا لا يتضح لها موقفٌ بعينه.

فلاهي التي تنازلت عن كبرياء زعامتها تمامًا ولا هي التي انقادت تابعةً عمياء ولا هي التي تماليء حينا وحينًا.

تسلك القاهرة مسلكًا لا يمكن إخضاعه لبوصلة بعينها، على نحو يعطي انطباعًا من ثلاثة..

الأول: تباين الآراء والقناعات والاتجاههات داخل جسم صناعة القرار المصري المصيري. وهو أمرٌ يتخطى اختصاص رئيس الجمهورية –أي رئيس- ويدخل في نطاق لا يمكن لشخص واحد أن يحسمه منفردًا.

الثاني: تخبط القاهرة وارتجالها في كل موقف على حدة، بصورة أعطت انطباعات متباينة، من الوفاق للتبعية للمعاندة الصامتة، للدعم للحوار للتأفف المكتوم.

الثالث: أن القاهرة تدير اللعبة كل مرة وفقًا لإحداثي غير الآخر، يمكنها أن تتنازل أدبيًا عن «مظهر» القيادة للمملكة بكل مقتضياته. فلا هي التي تملك الآن ترف الاضطلاع بمهام القيادة ولا هي التي تملك زمام أمورها كاملًا حتى تتدخل في شؤون دول أخرى.

ثم فلتماش الشريك السعودي في كل ما يمكن مماشاته فيه، عدا أمرين: مستقبل سوريا ( فيما يستتبعه مستقبل تفكيك دمشق على القاهرة)، وفي مسألة ابتعاث الجندي المصري لمغامرات المملكة المجهولة التي تسعى لخوضها في اليمن.

فعلى حد المتواتر أن مصر لم تسمح بإنزال جندي واحد بريًا لليمن، ولم تستهدف أي من غاراتها أهدافًا بشرية أو حتى مواقع ذات بعد استراتيجي جدي في المعركة.

وأما قطعها البحرية فقد انتشرت متسترة في رغبة المملكة في خوض صراع طاحن مع الحوثيين، غير انها كانت تعيد حماية سيادتها مرة أخرى في أصقاع البحر الأحمر.

وما بين الإتقان والارتجال والتخبط، يمكن تفسير كل شيء، لكن بكفة تميل للاحتمالين الأخيرين بأكثر مما تميل للأول.

(3)

أسئلة المستقبل أكثر إلحاحًا.

فالسعودية –ألهمها الله صواب أمرها- تمضي في مسيرها كما لو كان المال كل شيء، دون إدراك كامل للأبعاد التاريخية الكامنة وراء فكرتي «الصراع» و«الزعامة».

ولا يبدو أنها تدرك أن «المال» يشتري بعض الناس بعض الوقت لكنه لا يسكت كل الناس كل الوقت. وأن ألمانيا الرسمية التي احتجت على تقرير لمخابراتها –علنًا- استرضاءً للرياض، لن تتخذ في الغد نفس الموقف بالضرورة.

وأن إقليمًا مضطربًا تتنازعه الرغبات وتتضارب فيه المصالح لا يمكن أن تحسمه رؤية واحدة وفقا لـ(كل) مصالحها ومقتضيات هذه المصالح بمعزل عن رغبات الشركاء أو ذوي الأسنان فيها.

أما مصر، فإنها إذا لم تستبق السقف الجاري رسمه، بتوضحة مواقفها كاملة وتحديد خارطة مصالحها وما يخضع منها للتفاوض وما لايقبل ذرة جدال، فإنها ستجلب الاضطراب على نفسها وعلى المملكة التي لا تنظر لأبعد من عامين قادمين على أقصى تقدير في كل قرار تتخذه الآن.

ولن تنفع الرياض ولا القاهرة عشرات المليارات العالقة بين الطرفين في مساومات سخيفة تزعم في كثير من الأحيان أنها أخوية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية