تحدث المصريون، أو لنقل قطاع منهم (حوالى 15 مليون ناخب بنسبة 28.3%) شاركوا بالتصويت واختاروا ممثليهم بالبرلمان. الانتخابات تحتاج تحليلا معمقا بخصوص المشاركة والنتائج، وهذه ملاحظات أولية بشأنها:
1- فاز المستقلون بأغلبية مقاعد البرلمان (316 نائبا مستقلا بنسبة 56.9%، و239 حزبيا بنسبة 43.1%) وهى ظاهرة فريدة لم تشهدها أى دولة بها تعددية حزبية، وتعكس ضعف البنية الحزبية، رغم إزالة القيود على إنشاء ونشاط الأحزاب، وهى الحجة السابقة لتبرير ضعف التمثيل البرلمانى. هذه النتيجة تؤكد أن مصر تعانى من فراغ حزبى، وأن الأحزاب القائمة لا تمثل نقط جذب لغالبية المرشحين أو الناخبين، وأن هناك حاجة لإنشاء أحزاب جديدة لملء هذا الفراغ. وسأعود لهذه النقطة فى نهاية المقال.
2- شهدت الانتخابات ما يعرف بـ«الصوت القبطى» حيث شارك المواطنون المصريون الأقباط بكثافة فى التصويت، وساهم تصويتهم فى نجاح العديد من المرشحين المسلمين والأقباط، خاصة فى الصعيد وبعض مدن الوجه البحرى. الملاحظة الوحيدة على هذه الظاهرة الإيجابية هى أن جانبا من هذا التصويت بدا وكأنه موجه من جانب قيادات كنسية لمصلحة مرشحين بعينهم- أغلبهم مسلمون- ولكنه أثار حفيظة المرشحين الآخرين وسهل الوقوع فى فخ الطائفية فى المعركة الانتخابية وتشكيل تحالفات مضادة ضد المرشحين الذين تردد أن القيادات المسيحية تؤيدهم. لذا من المهم فى المستقبل الحفاظ على نسب المشاركة العالية للمصريين المسيحيين مع التنبه لخطورة الوقوع فى فخ التكتلات التصويتية الطائفية. ولكن هذا لا يقلل من الظاهرة الإيجابية الأخرى وهى ارتفاع عدد الأقباط الفائزين بمقاعد فردية إلى رقم غير مسبوق هو 12 نائبا، وفى دوائر يمثل المسلمون فيها أغلبية الناخبين.
3- ملاحظة أخرى تتعلق بـ«الصوت السلفى» فخسارة حزب النور لكل قوائمه وفوزه فقط بـ12 مقعداً فردياً ترجع - ضمن أسباب أخرى- للانقسام داخل التيار السلفى، واقتراب قطاع منه للإخوان المسلمين وتأييد مواقفهم، خاصة ما يتعلق بمقاطعة الانتخابات، وهو أمر يحتاج تحليلا من أجهزة الدولة التى ترعرع التيار السلفى تحت نظرها.
4- ليس صحيحا أن البرلمان القادم سيكون أداة طيعة فى يد الحكومة. صحيح أن غالبية أعضائه مؤيدون للتوجه العام للدولة ومسار 30 يونيو، إلا أن غالبيته أيضا غير مدينين للحكومة بفوزهم فى الانتخابات، ومع ضغط المطالب المحلية من دوائرهم، وضعف الالتزام الحزبى وسيطرة الطابع الفردى، فسوف يتحول البرلمان إلى أداة رقابية قاسية على الحكومة، وسيتوسع النواب فى استخدام طلبات الإحاطة والاستجوابات وبشكل غير رشيد. هذا الأمر سيؤدى إلى نهاية الإجازة الرقابية التى عاشتها الحكومات المتعاقبة فى ظل غياب البرلمان. ويتطلب أن تستعد الوزارات المختلفة لذلك، والتفكير أيضا بإنشاء مكتب اتصال برلمانى بمجلس الوزراء وبمؤسسة الرئاسة (كما هو موجود فى دول أخرى) يستهدف التواصل والتعبئة للمبادرات التشريعية وترشيد السلوك الرقابى. وربما يكون من المناسب أيضا تغيير بعض الحقائب الحكومية، خاصة فى مجال الخدمات، والاستعانة بوزراء جدد لديهم القدرة على التواصل مع النواب والتعامل مع العبء البرلمانى الجديد.
5- وأخيراً لا يجب أن ننظر إلى البرلمان المقبل على أنه صورة ثابتة لن تتغير. بل سيشهد هذا البرلمان تفاعلاته الخاصة، وربما تتغير الصور المسبقة بشأنه. بعض هذه التفاعلات قد تؤدى إلى ظهور تكتلات جديدة ونواة لأحزاب بين النواب المستقلين أصحاب الفكر المشترك. لذا من المهم أن يعيد البرلمان النظر- وربما بعد عام من انعقاده- فى القانون الذى يمنع تغيير الصفة التى انتخب على أساسها العضو المستقل، وبما يسمح بإنشاء أحزاب جديدة تثرى الحياة السياسية.
ومرة أخرى، هذه ملاحظات أولية، ونتائج الانتخابات تحتاج المزيد من الدراسات العلمية التى تستهدف استخلاص الدروس وتقديم المقترحات لبناء حياة برلمانية تستحقها مصر والمصريون.