x

اخبار د. مصطفى رجب يكتب: صعود الرأسمالية الطفيلية وهبوط الطبقة المتوسطة اخبار السبت 05-12-2015 21:30


عاش المصريون قرونا كثيرة تحت نير الملوك فاكتسبت شخصيتهم القومية سمات الشعوب المستقرة نفسيا المحكومة بالملوك تاريخيا كإنجلترا وإسبانيا وغيرهما بما تتسم به الشخصية القومية لسكان تلك المجتمعات بالاستقرار النفسى/ الاجتماعى، وما يلازم ذلك الاستقرار من تريث ووقار وحرص على الآداب وصون التقاليد.

وإن أردت شواهد على ذلك فراجع صحافة مصر قبل عام 1952 لترى كيف كانت لغة الصحافة (حتى فى النقد) وشاهد أفلام تلك الحقبة ومسرحياتها لترى كيف كانت لغة الحوار بين الناس.

فلما ألغت الثورة الألقاب وأعادت توزيع الأراضى على المصريين، ودعمت مجانية التعليم ورفعت شعارات (الحرية والمساواة)، تعجل الناس جنى ثمار الثورة، وساعدهم على جنى تلك الثمار ما أتيح لهم من مشاركة سياسية ورقى اجتماعى بالتعليم والتصنيع. فارتفع مستوى طموح الحراك الاجتماعى انتقاما من الشعور بالقهر والتجمد لعهود طويلة.

ثم انتكس ذلك كله بسقوط التجربة الناصرية بعد 1967 ووفاة عبدالناصر الزعيم/ الحلم فى عز شبابه 1970.

فلما جاءت حقبة الانفتاح الساداتى 1974 وما سبقها من إطلاق الحريات للمتأسلمين المتاجرين بالدين، ورفع شعار دولة «العلم والإيمان» وما أعقب ذلك من استخدام نجوم ذوى طبيعة خاصة كالشيخين عبدالحليم محمود والشعراوى والدكتور مصطفى محمود- رحمهم الله- فى مشروع «أسلمة» مفتعلة، كان ظاهرها الدعوة وباطنها التمكين للإسلام السياسى.

وتوازى مع هذا الصعود الدينى صعودٌ للرأسمالية الطفيلية فى مقابل هبوطٍ منظم للطبقة المتوسطة التى أفرزتها الإصلاحات الناصرية، ورفعت مستوى طموحها.

وقد طالت حقبة التنامى الرأسمالى الطفيلى طوال عهد السادات، ثم توحشت طوال ثلاثين عاما هى عهد مبارك، حيث تغلغل الفساد فى الجهاز الإدارى فخارت قوى الدولة الداخلية أمام ضغوط شراء الذمم بالرشى والوظائف المرموقة، والهبات، وتمليك أراضى الدولة، وفى المقابل ازداد الفقراء فقرا وانحطاطا فتنامى الشعور بالقهر النفسى والاجتماعى، وزاد من حدته ما شاع فى بعض مؤسسات الشرطة من عنف وتنكيل، لحساب القانون نادرا، ولحساب أصحاب الحظوة والنفوذ غالبا.

كل تلك العوامل أدت إلى تغير المزاج العام للمصريين وتمثل ذلك التغيير فى:

1- تدهور مستوى الحلم بالتغيير والترقى الاجتماعى لدى الأفراد لضعف قدرات الغالبية ماديا عن المنافسة.

2- تزايد الضغط الدينى على النفسية العامة للشعب، وقد اتخذ الضغط الدينى طرقا متعددة أبسطها تفسير الأحلام وقنوات وبرامج الإفتاء غير المنضبط لإلهاء العوام وضبط تفكيرهم على بوصلة (حرام/ حلال) بدلاً من بوصلة (وطنية/خيانة) التى صاحبت حقبة النهوض الناصرى، وأخطر تلك الطرق كان التنظيمات الدينية المسلحة.

3- تزايد الضغوط النفسية التى تمثل تهديدات للشخصية الفردية وللمجتمع ككل، وقد نجم عن تلك الضغوط: الابتعاد عن المهام الصعبة والشعور بمقدرة ضعيفة لتحقيق الأهداف والأداءات بنجاح، واستثارة انفعالية لازمت المصريين كالقلق والاكتئاب وغيرهما من اضطرابات انفعالية لها تأثيرها على أنماط الوظائف العقلية المعرفية والحسية والعصبية، تؤدى إلى خفض وضعف الأداء، وأبرز دليل على ذلك ما نلاحظه من اختلال للتوازن فى المخرجات التعليمية للنظام التربوى فى مصر، والتى يعكسها التوجه الشديد للطلاب فى المرحلة الثانوية نحو التخصص الأدبى الذى يتسم بسهولته النسبية عن التخصص العلمى الذى يحتاج مهارات عقلية ومعرفية وقدرة على التحدى والمثابرة والفعالية والجهد من الطالب.

4- توتر العلاقة بين الفرد وبيئته ومجتمعه، وهى فى الأصل علاقة تفاعل وتأثير متبادل، والفرد نتاج هذا التأثير، فهو يستجيب لمثيرات البيئة وفقاً لما تقدمه من مزايا أو تسهيلات، حيث يتوقف بذل الجهد والطاقة على طبيعة المواقف، فحينما تكون البيئة مليئة بعوامل الشدة والإحباط وقلة الفرص المتاحة لتحقيق الذات، فإنها تسبب نوعاً من الضيق والمشقة والضغوط للفرد تعوقه عن تحقيق أهدافه وطموحاته، ويكثر بها ردود الأفعال القوية وأساليب السلوك الحادة التى تعبر عن عدم التوافق، والتى تنعكس فى صورة تدنى الطموحات والآمال وضعف الإنجازات والتشاؤم وعدم الرضا، وغيرها من تعبيرات سلوكية تنم عن مدى المعاناة والضيق.

5- والعامل الأخطر والأهم هو قلة النوم بسبب الضوضاء والسهر، واستمرار البث الإعلامى، وسوء إدارة الحوارات فى وسائل الإعلام. كل ذلك يؤدى إلى فوران الأعصاب وما يترتب عليه من اختلال فى الصحة: العامة والنفسية.

6- تعرض المرأة المصرية فى جميع مراحل حياتها إلى مواقف ضاغطة ومؤثرات شديدة من مصادر عديدة كالبيت والعمل والمجتمع، ويعود ذلك إلى تعقيد أساليب الحياة، والمواقف الأسرية الضاغطة وبيئة العمل، وطبيعة الحياة الاجتماعية، فالأهداف كثيرة والأمانى والتطلعات عالية ولكن الإحباطات والعوائق كثيرة، فبعض السيدات لا يحتفظن بصحتهن الجسمية وسلامة أدائهن النفسى عند تعرضهن للضغوط النفسية، وهذا ينعكس على البيت فيلجأ الأبناء للشوارع والآباء للمقاهى، وإذا ما عادوا للبيوت عاشروا الإلكترونيات فانعدم الحوار فى البيوت وفى المدارس.

7- سماح الدولة بالتوسع فى إنشاء المدارس الدينية كرس الثقافة الأحادية فازداد التباعد بين المسلمين والمسيحيين، وأتباع كل دين فيما بينهم لشيوع مفاهيم ملتبسة مثل (ملتزم/ متحلل) (متدين / علمانى) فانهارت قوى الوحدة الوطنية، وأصبح السلام الاجتماعى فى مهب الريح، وازدادت الجرائم.

*مقرر لجنة التربية بالمجلس الأعلى للثقافة

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية