x

اخبار المناخ.. نحن والعالم اخبار الخميس 26-11-2015 21:27


محمود عبدالمنعم القيسونى ـ يكتب:

كنت أتمنى تسجيل إيجابيات وإنجازات لكن للأسف الواقع يفرض غير ذلك، فمن الواجب تسجيل، بإحباط لا حدود له، كم الإنذارات والنصائح والاقتراحات التى داوم على بثها علماء مصر الدوليون الأجلاء، أمثال المرحوم الدكتور محمد القصاص، الملقب بـ«أبوالبيئة المصرية»، والدكتور مصطفى كمال طلبة، خبير البيئة الدولى، أمد الله فى عمره، والخبير الدولى المرحوم الدكتور رشدى سعيد، فطوال سنوات القرن الحالى سجلوا بجميع وسائل الإعلام التطورات الخطيرة الحادثة والقادمة لمناخ الكرة الأرضية مع وضع الاقتراحات العملية للمواجهة مع التركيز العلمى المخلص على ما سيحدث لمصر، وطوال هذه السنين تجاهلهم المسؤولون بل لفظوهم من مناصبهم التى كانوا من خلالها يخدمون شعب مصر ليحلوا بدلهم غير المتخصصين، فبينما أعلن وزير دفاع الولايات المتحدة الأمريكية أن التغيرات المناخية أصبحت قضية أمن قومى، أعلن مسؤول رفيع جدا فى الحكومة المصرية، خلال شهر يناير من عام ٢٠٠٨، أن كل الكلام عن كارثة التغيرات المناخية (كلام فارغ يردده مخرفون)، وأكرر قال «مخرفون»، فكانت النتيجة صفرا وانحدارا وخسائر جسيمة لمصر مسجلة بجميع الصحف، والتى جمعتها بإخلاص للمراجعة، وللأسف تتضاعف عاما بعد عام، وستتفاقم المشاكل إذا داوم المسؤولون على غض البصر وإقناع القيادات بأن كله تمام، وأنهم خير من يعلمون كل شىء.

هذه مقدمة رأيت أهمية تسجيلها بعد ما أصاب الإسكندرية نهاية شهر أكتوبر عام ٢٠١٥، والتى أعلن علماء العالم أنها فى مقدمة المدن الساحلية التى ستغرق إن لم تتخذ الحكومة ما يحميها ومحافظات أخرى، وما أتوقع حدوثه مستقبلا حيث راجعت ملفاتى وأوراقى وقصاصات الصحف المحلية والدولية التى جمعتها طوال سنوات القرن الحالى، والتقارير العلمية التى وضعها علماء العالم والمنظمات الدولية المرتبطة بكارثة التغيرات المناخية والقائمة على متابعة دراسات الأقمار الصناعية والأجهزة العلمية المتطورة المنتشرة بمواقع استراتيجية على وجه الكرة الأرضية، وهى التى سردت بالتفصيل العلمى المؤكد ما سيحدث لمصر، والتطورات السلبية المرعبة التى ستضرب سواحلنا الشمالية، وبالذات دلتا النيل وأخصب الأراضى الزراعية، مع انتشار الأوبئة، وآخرها التقرير المنشور بوسائل الإعلام الدولية منتصف شهر نوفمبر ٢٠١٥، من أن الدلتا بدأت تغرق فعلا. أتوقف عند هذا الحد لأسجل ما تقوم به دول العالم منذ سنين لمواجهة هذا الخطر ولإنقاذ أراضيها وشعوبها، متمنياً أن نسرع بالعمل وأن نقتدى بمن سبقونا وننهل منهم ما انتهوا إليه من إنجازات وأعمال ومشاريع تمت أو جار تنفيذها بإخلاص.. موريتانيا تنفذ حاليا، بمعونة ألمانية، حائطا رمليا معالجا أمام سواحلها لحماية مطارها الدولى وعاصمتها من الغرق. إندونيسيا تبنى جدارا أسمنتيا عملاقا على الساحل المواجه لعاصمتها جاكرتا لحمايتها من غمر مياه البحر لها.. العديد من دول العالم اتخذت الخطوات العملية الفعلية لوقف انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون المسبب لكل هذه الكوارث (أكثر من مليون صينى يموتون سنويا من تلوث الهواء)، فمثلا الهند قامت عام ٢٠١٠ بنشر محطات صغيرة (صُنعت فى إيطاليا) على أرصفة شوارع نيودلهى، تقوم هذه المحطات بتنقية عشرة آلاف متر مكعب من الهواء فى الساعة، ومصر انطلقت فى مجال مضاعفة هذه الانبعاثات، وظاهرة السحابة السوداء وتوابعها المؤسفة على الإنسان المصرى وعلى كامل المنتجات الزراعية باستيراد كميات مهولة من الفحم للأسف بمساعدة وتشجيع وموافقة مقرونة بالبيئة وحمايتها، وفى تحد سافر لحق المواطن فى بيئة صحية نظيفة، كما جاء فى الدستور، وذلك لاستخدامها فى توليد طاقة مصانع الأسمنت التى أنتجت كميات هائلة من الأسمنت لبناء الغابات الخرسانية على معظم الأراضى الزراعية، مصدر غذاء الشعب، لنصبح أيضا الدولة التى تبنى على الطين الخصب وتزرع رمال الصحراء، ونُقلص الرقعة الخضراء يوميا وبسرعة مخيفة، فعام ٢٠١٠ أعلنت الصحف المصرية أن مصر فقدت ٤٦٪‏ من مساحتها الخضراء خلال ٢٣ عاما، أى حوالى ١٧٨ ألف فدان (وأخشى ما حدث فى السنين التالية)، بينما العالم يسرع فى إنقاذ الغابات ومضاعفة الرقعة الخضراء لمقاومة سموم الانبعاثات. دول عديدة، ومنها العربية مثل المغرب وتونس، أوقفت تماماً إنتاج وتداول البلاستيك لأضراره الخطيرة على البيئة، ومصر تنتجه وتتداوله بسخاء. دول عديدة تستعد لمواجهة خطر الفقر المائى ونحن نعلن ونصرح ونشجب ولا خطوات عملية فعلية لمواجهة هذا الخطر القادم، فلم نسمع عن بناء معامل تحلية مياه البحر مثل الحادث بمعظم الدول العربية، وقمنا بتقليص مؤسف ومخجل لأمل مصر، أقصد معهد بحوث الصحراء، مع التخلص المنظم من علمائه وباحثيه ومبانيه ومعداته، وتعيين غير المتخصصين، ونحن أولاً وأخيراً دولة صحراوية.

ولاية فلوريدا على الساحل الشرقى للولايات المتحدة الأمريكية تضم أشهر مدينة ساحلية، وهى ميامى المبنية على طبقات من الحجر الجيرى، والتى تضم استثمارات سياحية وعقارية ببلايين الدولارات.. منذ عامين انتخب مواطنوها عمدة مدينتهم، كانت حملته الانتخابية ترتكز على وعده بإعداد وتجهيز المدينة لمواجهة التغيرات المناخية، والتى بدأت تضرب هذه المدينة الساحلية بعنف متزايد عاما بعد عام طوال شهر مارس وشهر أكتوبر، فكانت السيول تغرق شوارعها الرئيسية فتسبب خسائر مادية هائلة لمواطنيها والعديد من التوابع السلبية والمعاناة، والتى شكلت أضعاف ما حدث لمدينة الإسكندرية بمصر نهاية شهر أكتوبر ٢٠١٥، وقد التزم العمدة المنتخب بوعده، حيث رصد ميزانية تبلغ أربعمائة مليون دولار فورا، وقام بتصنيع وتركيب ثمانين محطة سحب وشفط مياه صُنعت خصيصاً وبتكنولوجيا حديثة غير مسبوقة فى مواقع مختارة على أجناب الشوارع الأكثر تعرضا للسيول، بعد دراسة علمية هندسية ومناخية قام بها علماء ومهندسون وخبراء، وهو ما كان له الأثر الفعّال والسريع فى مواجهة التقلبات المناخية، حيث يتم تشغيلها من غرفة مركزية بالمدينة، فتقوم بسرعة بشفط المياه من الشوارع والطرقات لتلقيها فى خليج ومخرات على أطراف المدينة لتدوم صلاحية استخدامات كامل الشوارع والطرقات دون أى مشاكل للحياة اليومية، كما قام بتشكيل لجان تضم علماء مناخ من وكالة ناسا للفضاء وعلماء بحار وأساتذة وطلبة نابغين من الكليات الهندسية وخبراء من هولندا التى معظم أراضيها تحت مستوى سطح الأرض، ولهم خبرة عملية مؤكدة فى التعامل مع ما هو قادم، حيث وضعوا أفكارا واقتراحات لمواجهة التقلبات المناخية حتى نهاية القرن الحالى، أى أفكار ومخططات تطبق وتعدل وتتطور طوال الـ85 سنة القادمة، وقد بدأ التطبيق العملى الفعلى، فعلى سبيل المثال تم وضع شروط هندسية جديدة لبناء العقارات، منها شرط ألا يكون هناك بدروم ولا طابق أرضى ملامس للأرض، أى المسطح الأرضى لمدخل العقار يتشكل من أعمدة خرسانية فقط مع تجميلها مثلا بالرخام، ولا حوائط، فقط مساحة خالية ومفتوحة من جميع الأجناب تستخدم فى أغراض الترفيه والمناسبات لسكان العقار طوال الشهور الخالية من التقلبات المناخية، وتستخدم السلالم لبلوغ الطابق الأول، ثم المصاعد بعد ذلك، وهو ما سيحمى السكان والعقار من غمر مياه السيول إذا زادت حدتها، وهو بالطبع ما يتوقعونه، أيضا تم وضع شرط أن يكون زجاج النوافذ بالكامل من النوع السميك الذى يتحمل ضغط العواصف وما قد تحمله والأمطار الغزيرة وكرات البرد.. وجار شق جانب طولى من الشوارع العريضة أى بكامل طول الشارع لتشييد قنوات جمالية المظهر، أجنابها مشايات للمواطنين، هدفها سحب مياه السيول الجارفة وتحويلها إلى المخرات والخلجان القريبة، كما تم فرض ضريبة مناخ سبعة دولارات شهريا عن كل وحدة (شقة) قَبِلها جميع السكان ويسددونها بانتظام للصالح العام، مع علم الجميع بأن هناك قطاعات محدودة من ميامى ستستسلم لقوى الطبيعة وتغرق، ومن المستحيل إنقاذها، وهو واقع يتقبله الجميع ويستعدون له. عمدة ميامى مؤمن بأن قدرات الإنسان لا حدود لها بفضل ما أنعم الله علينا من نعمة العقل. نفس الحماس المخلص تم تفعيله على الجانب الآخر الغربى من الولايات المتحدة الأمريكية بولاية كاليفورنيا، والتى تواجه أخطر موجة جفاف وفقر مائى غير مسبوق، ما أجبرها على إصدار قانون عام ٢٠٠٦ بدأ تنفيذه فعلا فى يناير من عام ٢٠١١، وينص على إنشاء برنامج شامل لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى من كل المصادر فى أنحاء الولاية مع الاعتماد على كل تكنولوجيات الطاقة النظيفة، وكاليفورنيا تعتبر سلة غذاء الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تنتج حوالى سبعين فى المائة من الخضر والفاكهة، فقد بدأت منذ عامين فى فرض قيود صارمة على استخدامات المياه العذبة، مع المعالجة المتطورة للغاية للصرف الصحى والاعتماد عليه فى رى الزراعات، هذا بالإضافة لتشغيل وبناء معامل ضخمة لتحلية مياه البحر.

* مستشار وزير السياحة ووزيرة البيئة السابق

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية