شاهدت فى مسابقة مهرجان سالونيك السينمائى الدولى 56 «6-15 نوفمبر 2015» الفيلم الكولومبى «أرض وظل» إخراج سيزار أوجوستو أكيفيدو «ولد 1987» فى أول أفلامه الروائية الطويلة بعد فيلمين قصيرين عامى 2012 و2013، والذى كان عرضه العالمى الأول فى «أسبوع النقاد» فى مهرجان «كان» حيث فاز بجائزة الكاميرا الذهبية المخصصة للأفلام الدولية فى برنامج المهرجان والبرامج الموازية، وبجائزة «الرؤيا»، وجائزة جمعية المؤلفين والموسيقيين، كما فاز فى سالونيك بجائزة الإسكندر الفضى وجائزة الجمهور وجائزة القيم الإنسانية.
كما أن أجمل الحياة حين يتعايش الناس على اختلاف معتقداتهم وثقافاتهم، أو حين «يتعارفون» بتعبير القرآن الكريم، فإن أجمل الفن حين تتعايش كل المدارس والاتجاهات، وفيلم «أرض وظل» ينتمى إلى سينما «الواقعية الاشتراكية» التى لم يعد لها مكان كبير فى السينما المعاصرة مثل الاتجاهات الأخرى، ولكن ليس بأساليب الواقعية السوفيتية فى فترة ما بين الحربين العالميتين وإنما بأسلوب حداثى من السينما الخالصة يصل إلى مرتبة الشعر، وإن كان السيناريو الذى كتبه مخرجه، وهو مؤلف سينمائى بامتياز، ليس محكماً من الناحية الدرامية «97 دقيقة»، وينتهى أكثر من مرة، وبه نحو عشر دقائق زائدة.
موضوع الفيلم حياة ما يمكن أن نعتبرهم مثل عمال «التراحيل» فى مصر، وهم عمال جمع قصب السكر فى كولومبيا فى الزمن الحاضر، والذين تتأخر صرف أجورهم القليلة، ويعانون من الفقر وعدم وجود تأمين صحى، ولا حتى من أمراض المهنة، ويعبر الفيلم عن هذه الحياة من خلال مرض العامل جيرادو «إديسون راجوس» الذى يحتضر من أول الفيلم حتى نهايته، ولا نراه إلا فى الفراش، والذى يأتيه طبيب بناءً على ثورة العمال، ولكن بعد فوات الأوان حيث يموت لعدم وجود مكان له بالمستشفى فى المدينة.
فى اللقطة الأولى مع العناوين يأتى من بعيد وسط حقول القصب رجل فى الستين أو نحوها، اللقطة طويلة، وثابتة من دون حركة كاميرا، ومن دون موسيقى على شريط الصوت، وتضع هذه اللقطة المتفرج داخل أسلوب الفيلم الذى يدفعه إلى التأمل العميق، وبها كل عناصر هذا الأسلوب حتى آخر لقطة، فكل اللقطات طويلة، وكل الفيلم من دون موسيقى، ويعتمد على التكوين ولا نخرج من بيت جيرادو الذى يقع وسط الحقول إلا إلى محيط البيت، أو إلى العمال الذين لم يمرضوا بعد، ولا نذهب إلى المدينة إلا فى لقطة واحدة سريعة.
الرجل الستينى هو ألفونسو «هايمر ليل» والد جيرادو الذى يأتى لزيارة ابنه المريض بعد سنوات طويلة من انفصاله عنه بعد أن انفصل عن والدته، والعلاقات العائلية ممزقة تماماً، ويبدو ذلك من اللقطة الأولى بعد العناوين عندما يصل ألفونسو إلى البيت، ويتم التعارف بينه وبين حفيده الصبى مانويل «خوزيه فيلبى كارديناس»، ثم التعارف على إسبيرانزا «مارليدا سوتو» زوجة جيرادو، والبيت ملك أليسا «هيلدا رويز» والدة زوجة ألفونسو، وهى الشخصية الوحيدة التى ترتبط معه بتاريخ مشترك، وعلاقتهما مركبة منذ انفصاله عن ابنتها، ويحاول ألفونسو طوال الفيلم إقامة علاقة قوية مع حفيده، وإصلاح العلاقة مع أليسا، واللقطة الوحيدة التى تدور فى المدينة عندما يشترى لعبة «طائرة ورقية» لمانويل.
وبعد موت جيرادو، يقرر ألفونسو أن تعود زوجة ابنه وحفيده للحياة معه فى المدينة، ولكن أليسا تتمسك بالبقاء وحدها فى بيتها الذى عاشت فيه منذ شبابها، وتحت شجرة عملاقة عمرها مئات السنين فى ساحة البيت تجلس وحدها فى اللقطة الأخيرة، هى الأرض، وعليها يعيش هؤلاء البشر فى الظل، إنه فيلم يعلن مولد موهبة سينمائية أصيلة من صناع سينما المستقبل.