x

عبد الناصر سلامة الفقر والشتاء.. والأمن القومى عبد الناصر سلامة الثلاثاء 24-11-2015 21:37


فى أعقاب خطبة الجمعة، ناشد إمام المسجد المصلين زيادة تبرعاتهم الأسبوعية، مشيرا إلى أن المسجد يُنفق على عدة مئات من الأُسر شهريا، ما بين يتامى، وأرامل، وروشتات مرضى، بخلاف مصاريف مدارس، وكسوة، وبطاطين مع بداية موسم الشتاء، إلى غير ذلك من أمور أخرى، غير أنه أشار فى الوقت نفسه إلى أن الجزء الأكبر من هذه النفقات كان يتحملها ثلاثة أشخاص، ولسبب ما، لم نعد نتلقى منهم تبرعات.

للوهلة الأولى جال بخاطرنا أن يكون السبب الوفاة، ولكن ليس معقولا أن يكون ذلك قد حدث للثلاثة دفعة واحدة، قد يكون بسبب السفر، قد يكون فرض حراسة، قد يكون اعتقالات وحبسا، قد يكون أى شىء، إلا أننا الآن أمام قضية أساسية، وهى أن هناك مئات من الأسر سوف يتضررون أشد الضرر، لسبب أو لآخر فى غياب الدولة الرسمية.

المهم أن ذلك النشاط الاجتماعى يقدمه المسجد من خلال جمعية خيرية تابعة له، أى أنه فى النهاية يخضع لإشراف إحدى الوزارات، سواء كانت الأوقاف، أو الشؤون الاجتماعية (أو التضامن الاجتماعى)، أو غيرها، وبالتأكيد فإن كفالة كل هذه الأسر ليست أبداً بمنأى عن هذه الوزارة أو تلك، وبالتالى فليس مقبولا بأى حال أن تتشرد جميعها لمجرد أن هذا توفاه الله، أو ذاك تم التحفظ على أمواله، أو ذلك تم اعتقاله، هى فى النهاية مسؤولية الوزارة، أو الدولة ككل، التى يجب أن تبادر دون أى تباطؤ بملء ذلك الفراغ، خصوصا ونحن على أبواب موسم شتاء لا يرحم، فما بالنا بالجوع، والتشرد فى الشوارع.

هذه الأزمة الكارثة لم تعد تخص مسجدا بعينه، أو جمعية خيرية محددة، بل يبدو أنها أصبحت حالة عامة، فى إطار الظروف التى تمر بها البلاد أمنياً واقتصاديا، إلا أن هذه الظروف يجب ألا يمتد أثرها أبدا إلى مزيد من الجوع للجوعى بالفعل، أو مزيد من التشرد للمشردين بالفعل، أو مزيد من المرض للمرضى بالفعل، هى مسؤولية كل أجهزة الدولة، كل وزاراتها، كل مؤسساتها، كل أهل الخير فيها.

لم يعد مقبولا أبدا إغلاق جمعية خيرية، أو مستوصف طبى، أو حساب بنكى لمجرد الشك الأمنى، أو عقاباً للقائمين عليه، يجب أن تتولى الدولة فورا إدارة هذه الكيانات بصفة رسمية لصالح المستفيدين منها، وليس إغلاقها، أو التقصير نحوها، الفقير واليتيم والمشرد والأرملة والمريض جميعهم فى النهاية مسؤولية الدولة، قبل أن يكونوا مسؤولية ذلك المتبرع الذى ذهب لحال سبيله لأى سبب كان.

ظاهرة الفقر والتشرد أيها السادة هى قضية أمن قومى بالدرجة الأولى، لا يجب أبدا تحميلها طوال الوقت على شماعة الشؤون الاجتماعية، (أو التضامن الاجتماعى)، وما شابه ذلك، القضية أكبر من ذلك بكثير، كل المؤشرات تؤكد أن القلاقل المقبلة ليس مصدرها دعوات الديمقراطية، أو حرية التعبير، وإنما الفقر والجوع، فما بالنا إذا كانت سياساتنا تقود إلى المزيد من التشرد والجوع، ما بالنا إذا كانت العشوائيات تتزايد، ما بالنا إذا كانت معاناة عشرات الملايين من الشعب ممن هم دون خط الفقر لا تحصل على ذلك القدر من الاهتمام الذى توليه الدولة للعشرات، أو المئات المطالبين بالحريات، لا إعلامياً، ولا تشريعياً، ولا تنفيذياً.

أعتقد أن فصل الشتاء كفيل بأن نعى حجم الأزمة، ولنتذكر أن العام الماضى قد شهد العديد من حالات الوفاة على الأرصفة، وتحت الكبارى، من شدة البرد، فماذا أعددنا للعام الحالى الأشد قسوة؟ هذا هو السؤال.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية