فى ديسمبر عام 1990، كنت شاهداً على مدينة أسوان، وليس بها سائح واحد من أى مكان فى العالم، على الرغم من أن شهور ديسمبر ويناير وفبراير من المفترض أن تمثل الذروة من بين كل شهور السنة، شاهدت فندق كتاراكت الشهير وهو بلا أنوار، ترشيداً للاستهلاك، شاهدت المراكب السياحية، أو الفنادق العائمة، وهى تصطف على امتداد النيل، شاهدت حسرة أصحاب الحناطير، أصحاب المحلات، أصحاب المطاعم، الآلاف بلا عمل، أى أن عشرات الآلاف من الأسر إلى ضياع.
السبب فى ذلك الوقت هو الغزو العراقى للكويت، والذى كان قد مر عليه نحو أربعة أشهر، إلا أن العالم كان يستعد لخوض عدوان شامل على العراق، نحن هنا نتحدث عن أزمة تبعد عنا مكانياً نحو ثلاثة آلاف كيلومتر، إلا أن تأثيرها على الأوضاع فى مصر بصفة عامة كان قاسيا، وبصفة خاصة السياحة التى تدنت معها نسبة الإشغال إلى الصفر، فى كل الأنحاء، ليس فى أسوان أو الأقصر فقط، وإنما امتدت إلى الغردقة وشرم الشيخ، وحتى القاهرة.
فى شهر إبريل عام 2002 كنت شاهدا على نسبة إشغال فى شرم الشيخ لا تتجاوز 25%، على الرغم من أنها من المفترض أن تزيد على 85% فى هذا التوقيت، وكان ذلك بسبب أحداث نيويورك- تفجير برجى مركز التجارة العالمى فى سبتمبر 2001- وكان قد مضى على الحدث زمنياً نحو سبعة أشهر، ناهيك عن أنه يبعد مكانيا ما يصل إلى 12 ألف كيلومتر، مع العلم أن نسبة الإشغال خلال الشهور الأولى للحدث كانت أيضا صفرا، وكان قد تم تسريح الجزء الأكبر من العمالة، التى أخذت فى العودة نسبياً، شهراً بعد شهر.
هذا هو قدَر السياحة المصرية، نحن هنا نتحدث عن حدث فى قارة آسيا، وآخر فى أمريكا، ومدى تأثير هذا وذاك على سير الأحداث فى مصر، سياحياً واقتصادياً، بل واجتماعيا، ومن كل الوجوه تقريباً، فما بالنا إذا تعلق الأمر بحدث داخل مصر، بتهديد للسائح، أو للطيران، أو للأمن بصفة عامة، قد يكون هذا التهديد وهمياً، وقد يكون مصطنعاً، وقد يكون بلا أى أساس، إلا أن أى سائح من أى مكان فى العالم لن يخاطر بحياته، فى ظل وجود أدنى شبهة تهديد، فى الوقت الذى يبحث فيه عن الدفء، أو الهدوء، أو المتعة بصفة عامة.
الدول السياحية يجب أن تتمتع بمواصفات خاصة، أمنياً بالدرجة الأولى، أخلاقياً، إدارياً، بيئياً، حضارياً، ثقافياً، وكلما تراجعت إحداها، تراجع الإقبال على هذه الدول، والعكس صحيح، ومن هنا كان يجب أن نأخذ فى الاعتبار دائماً عوامل التفوق السياحى فى عدد كبير من الدول، التى لا تتمتع بالمؤهلات المصرية فى هذا الشأن، لا من حيث سياحة الآثار، أو السياحة الثقافية، التى لا يضاهينا فيها أحد، ولا من حيث الطبيعة، التى نتميز بها عن الكثيرين، ولا من حيث التكلفة والأسعار، التى تدنت لدينا لأرقام وضيعة.
يجب إذن أن نعترف بعوامل الضعف، ونواجهها، ونضع روشتة العلاج لكل منها، بشكل عملى، وطرق علمية، أما أن نختزل الأزمة فى رقص وزير السياحة على أنغام المزمار فى شرم الشيخ، أو إرسال علماء الدين بالزى الرسمى للتصوير مع سائحات شبه عرايا، أو أن يصطحب هذا الوزير أو ذاك مجموعات كبيرة من موظفيه إلى هناك، مُعَطِّلاً لسير العمل فى وزارته، أو أن تتوجه مجموعة وجوه لا تتناسب أبداً مع السياحة، بهدف تنشيطها، كل ذلك هراء، وإسهام جديد فى تعويق حركة السياحة، وهو الأمر الذى لم يجد قبولًا، لا فى الداخل ولا فى الخارج.
السؤال الذى يجب أن نضعه أمام أعيننا دائماً هو: لماذا أراد الله لنا أن نكون فى القمة، بما حبانا به من ثروات، ورغم ذلك ارتضينا أن نبقى فى القاع؟!