من المهم إذا كنا بالفعل جادين فى بناء إعلام راق وديمقراطى يحاسب نفسه كما يحاسب الآخرين أن ننظر بدقة لمعالجة الإعلام الفرنسى والغربى لأحداث باريس الدامية التى لا يمكن أن تحدث بهذه الطريقة الدموية والمتتابعة فى أكثر من مكان فى نفس الوقت، وبهذه الدقة فى تحديد الأهداف، وتنفيذها كما يقول كتاب الإرهاب بدون خطأ وبهذا العدد من القتلى والجرحى... لا يمكن تصور حدوث تلك الجريمة الإرهابية إلا فى دولة متخلفة أمنيا وسياسياً ومفتوحة عبر حدودها ومخترقة من «خصلة شعرها حتى أخمص قدميها» من الجواسيس والعملاء والخونة.. ولكنه حدث فى قلب باريس أحد أكبر عواصم أوروبا فى الأمن والتكنولوجيا والرقابة والمراقبة على حدودها الآمنة والمطمئنة من جميع جيرانها.
وبقدر الصدمة المفجعة فى الحدث بقدر الالتزام والصرامة فى معالجة الإعلام والذى وضح أن لديه كودا إعلاميا أخلاقيا ومهنيا ووطنيا فى التعاطى مع مثل هذه المصائب الكبيرة التى تهز وجدان الأوطان وتزعزع الثقة فى نفوس الناس وتبث فيهم الرعب والهلع، فمن اللحظة الأولى لم نقرأ أو نسمع تصريحا مجهلا لمسؤول «رفض ذكر اسمه» ولم نر وسيلة إعلامية فرنسية أو غربية تفتح برامجها بالساعات لسماع شهود العيان، رغم أن المئات تواجدوا فى أماكن وقوع الأحداث، وحتى إن جاءت فكانت قصيرة ومقتضبة ولا تفصح عن معلومة مهمة، وحتى الآن لم نر صور أو فيديوهات لهذه المجزرة الدموية وللجثث وهى غارقة فى الدماء أو وهم داخل المشرحة، ورغم أننى لا أشك للحظة أن أغلب الصحف والتليفزيونات الغربية لديها من هذه المادة ما يملأ صفحات وساعات بث ولكن نشرها فى هذا التوقيت سيكون فيه مشاركة بشكل غير مباشر فى اكتمال الجريمة وإعطاء الجانى نشوة الانتصار والأهم والأخطر بث الرعب فى المجتمع وإفقاد الناس للأمان ما يترتب عليه سلبيات فى السلوك وانحرافا فى التصرفات وتعميق الأزمة.
فالإعلام الحر الديمقراطى هو الذى يقدر مسؤولياته فى أوقات الأزمات ولا ينجر فى المشاركة فى جريمة بدعوى الحرية لأن الحرية التى تفقد الناس إحساسهم بالطمأنينة والأمان حرية قاصرة لإعلام سلبى وهذا هو المفهوم الغائب عندنا فى الأحداث الكبيرة والصغيرة.
ورغم أنه واضح من اللحظة الأولى وجود قصور أمنى فاضح إلا أن الإعلام- والخبراء- فى الأيام الثلاثة الأولى للأزمة لم ينصب نفسه حكماً ويضغط لذبح الأمن بل كانت تقاريره كلها كما تابعتها تلميحات بأن القصور لن يمر ولكن ليس هذا وقت الحساب، وهذا هو مربط الفرس فعندما يمر الوطن بأزمة مفجعة يبقى من المهم أن يتكاتف الجميع حتى تمر ثم يبدأ الحساب على عكس الأمر فى بعض إعلامنا أو قل أغلبه، فالحساب وإرهاب الناس وتضخيم الأزمة وتحويلها الى كارثة هو الهدف الأسمى والغرض الأهم، أقصد أن هذه الحادثة كانت كاشفة لنا كيف يتعامل إعلام الدول المتقدمة والعريقة فى الحريات وحقوق الإنسان مع المصائب الكبيرة،
إلا أن مسؤولية الإعلام والتزامه واحترامه للقواعد الأخلاقية والمهنية لا تقف عند حدود الأحداث والمصائب الكبيرة بل تمتد إلى تفاصيل أخرى وتشمل جميع القضايا السياسية والاجتماعية والرياضية التى يتعرض لها، وهنا أعرج على ما يخصنى وهو (إعلام الهلفطة الرياضية) والذى ينصب فيه المذيع نفسه قاضياً لمحاكمة الناس ويأخذ من الميكروفون سكيناً يغز به من يخالفه الرأى أو من لا يأتى على هواه فإذا قاومته أخرج السيف والساطور وعدة الجزارة الإعلامية، فالمصدر أو المسؤول أو النادى أو الاتحاد بالنسبة لهؤلاء أما أن يكون «زبوناً» أو «ذبيحة» وعليه أن يختار الدفع أو الذبح، وعندما أقول الدفع فأنا لا أقصد اتهاماً فى الذمة لأننى لا أملك دليلاً على أحد ولكن أقصد ابتزاز المصلحة، فبعض المذيعين أو قل أحدهم يأخذه جنون الكاميرا وهو مثل جنون الشهرة للظن أنه رب الإعلام والرياضة وأنه موزع صكوك الوطنية والانتماء والشرف والأمانة ورغم أن فاقد الشىء لا يعطيه إلا أنه يستغل ضعاف النفوس والمرتعشين ليبث من خلالهم الفتنة.
واحد من هؤلاء أراه يتحدث عن قيم ومبادئ الأهلى ويتغنى فى المايسترو صالح سليم والكابتن حسن حمدى ليس حبا أو احتراما أو تقديراً للأدوار التى لعبوها فى زمنهم ولكن نكاية فى خصومه، ناسياً أن التاريخ والوقائع الثابتة تقول إنه آخر من يتحدث عن المايسترو لأنه هو نفسه الذى سبق وأهانه واتهمه فى ذمته عندما اختلف معه، ووصل الأمر أن مجلس إدارة الأهلى نفسه وحسن حمدى ذاته اتخذ قراراً بإيقافه ومنعه من دخول النادى ستة أشهر لتطاوله واتهاماته الجزافية الباطلة (لاحظ كيف استمات نائب المايسترو ليدافع عنه فى غيابه وينكل بمن يتجرأ عليه)، ولكن المايسترو- والذى كان وقتها خارج البلاد- انزعج لاتخاذ نائبه هذا القرار وأوقفه فوراً وعندما سئل عن السبب قال (انتوا عايزين يقال إن الأهلى وصالح على خلاف مع (الشخص ده) وهى جملة لم يكن المقصود بها الازدراء بقدر ما قصد منها وضع كل شخص أو قضية فى حجمها، وهذا الشخص بالنسبة لصالح سليم والأهلى كان أقل من أن يختلف معه، وهذا بالضبط الذى أراه حدثاً، فالأهلى أكبر من أن يختلف مع (ده)، أما وأنه جند بعض ضعاف النفوس أو المرتعشين داخل النادى لبث الفتنة، فدائما «اتفاقات المصالح الضيقة إلى زوال».
ويبقى أننا إذا كنا نريد بناء مجتمع عصرى حديث فعلينا أن نبدأ بالإعلام فهو حجر الأساس فى توجيه المجتمع وتحفيزه وتحديد أجندة أولوياته ورعاية مشروعات التنمية وكشف السلبيات فى التطبيق والتنفيذ والضغط لتصحيحها، أما شغل الناس وملء فراغهم بتوافه الأمور والقضايا الهامشية والمعارك الجانبية والأخبار الملفقة والاتهامات الجزافية فهذا هو إعلام الهلفطة الذى نعيشه.
■ مونديال اليد فى مصر.. نقطة نور وأمل ومضت أمام عينى وأنا أتوقف عند هذا الخبر وسط ظلمات معارك التخبط الإعلامى والرياضى التى يعيشها مجتمعنا منذ فترة غير قصيرة، وللأسف من الأحداث السعيدة التى تاهت فى خضم ضجيج المشاكل والخناقات والمعارك الوهمية المفروضة علينا فى الإعلام الإليكترونى والتليفزيونى كان فوز مصر باستضافة بطولة كأس العالم لكرة اليد 2021 فى نسختها السابعة والعشرين وهو نتاج مجهود وعمل محترف من المهندس خالد عبدالعزيز وزير الشباب والرياضة ومعه اتحاد كرة اليد برئاسة خالد حمودة ومجموعة مخلصة أعدت الملف فى صورة فائقة تغلب بها، ومع هؤلاء كان المايسترو الدكتور حسن مصطفى رئيس الاتحاد الدولى لكرة اليد يقود أوركسترا الدعم والتأييد داخل المؤسسة الدولية الرياضية، ضارباً مثالاً لكيف يخدم المصرى الأصيل وطنه فى اللحظات الصعبة.
تحية واجبة لكل هؤلاء الذين لم ينالوا حقهم من الشكر والتقدير فى الإعلام لأنهم نجحوا وأنجزوا ولو أنهم فشلوا وأخفقوا لوجدناهم يتصدرون المشهد على مذبح التقطيع والشوى والقلى.
■ لم أسمع أو أقرأ سببا مقنعا لإقامة الأهلى معسكره التدريبى فى الإمارات، فلا توجد مزايا مالية مغرية أو مباريات ودية مذهلة تستدعى أن يسافر الفريق خارج البلاد اللهم إلا إذا كان الأهلى مشارك فى خطة تنمية السياحة فى دبى أضف لذلك أن مصر توجد فيها منتجعات سياحية وتدربية ومناخ شتوى أفضل عشرات المرات من أى مكان آخر، وهل يوجد أجمل من شرم الشيخ واستادها مكاناً لإقامة معسكر تدريبى؟!.. أتمنى أن يراجع الكابتن زيزو قراره خاصة ويشاركنا.