x

عبد الناصر سلامة طالق يا أعز الناس! عبد الناصر سلامة الثلاثاء 17-11-2015 22:03


شهدت إحدى قاعات المحاكم قبل عدة أيام واقعة غريبة، حينما فوجئ الحضور بأحد المتهمين فى إحدى القضايا، وهو من ذوى الوظائف المرموقة، يخاطب زوجته الزائرة، قائلاً: «أنتِ طالق يا أعز الناس، أنت طالق يا أغلى الناس، أنت طالق يا أُم أولادى»، وبعد فترة وجوم وذهول بدت على الجميع، اكتشفوا أنه أراد لها أن تصرف معاش والدها المتوفى بدلا من أن تهيم هى وأولادها جوعاً وتشرداً بالشوارع.

هى بالتأكيد مأساة، إلا أن ما يغيب عنا جميعا أن هذه المأساة تعانى منها عشرات الآلاف من الأسر المصرية، وقد يصل الأمر إلى مئات الآلاف. العائل أو الأب تم القبض عليه لأى سبب، قد يُدان، فيستمر فى السجن لعدة سنوات، وقد لا يُدان، فيتم الإفراج عنه بعد عدة سنوات أيضا، ما مصير كل هذه الأسر وتلك طوال تلك السنوات؟ هو التشرد فى معظمها لا محالة، من النادر جداً أن نجد إحدى الأسر لديها دخل يمكن الإنفاق من خلاله، من طريق آخر بخلاف العائل.

الأطفال فى هذه الحالة أقرب إلى التشرد بالشوارع، التلاميذ يهجرون مدارسهم، الأم تتجه إلى التسول، عالم الجريمة فى انتظار كل هؤلاء، قد يتلقفهم تجار المخدرات، قد يغويهم عالم السرقة، قد يقعون ضحية التشدد والتطرف، المهم أنه بمجرد القبض على هذا الشخص أو ذاك فإن جهة العمل تقوم بفصله، الراتب يتوقف، الأسرة تتشرد، كل ذلك يحدث تلقائياً، لا يوجد أى قانون من أى نوع يعالج هذه الظاهرة الخطيرة، والمجتمع بأكمله قد يدفع الثمن مستقبلاً.

لابد أن نعترف بأن الفقر فى مجتمعنا قد فعل الكثير من الأفاعيل النادرة، والتى من أبرزها وجود الآلاف من حالات الطلاق الصورية (على الورق فقط)، كى تستطيع الزوجة صرف معاش والدها المتوفى، وهى فى نفس الوقت تعيش مع زوجها وأولادها، ولا تستطيع الدولة فعل أى شىء تجاه هذا الوضع الغريب والكارثى فى الوقت نفسه.

إلا أنه فى مثل الحالات السابق ذكرها، وهى المتعلقة بفترات الحبس الاحتياطى، والتى قد تصل إلى سنوات، أو حتى فترات قضاء عقوبة السجن، يجب أن تكون للقانون وللمجتمع وقفة إنسانية تستُر على هذه الأسر، وتحميها من الانحراف، وفى الوقت نفسه تحمى الدولة من مزيد من الفوضى، وأعتقد أن هذه أبسط حقوق الطفل الذى أصبح بحكم الأمر الواقع يتيماً، أو الزوجة التى أصبحت أيضاً بحكم الأمر الواقع أرملة، أو الأب والأم والأخت الذين أصبحوا بلا عائل، وقد يوضح ذلك نماذج ونوعية المتسولين بالشوارع الآن.

يجب أن نعترف بأن الموقف السلبى للدولة تجاه مثل هذه الحالات هو الذى جعل الناس تلجأ إلى مثل حالة الطلاق السابق ذكرها، وأن قصور القوانين هو الذى جعل فترة الحبس الاحتياطى تصل إلى سنوات، فى إطار من الظلم لا ينال من الشخص محل الاتهام فقط، وإنما من عائلات بأكملها، ومثل هذه الأوضاع هى التى يتمخض عنها فى النهاية نوع من الخصومة مع الدولة، تصل إلى حد العداء، مع كل هؤلاء المضارين من تلك الأزمات.

أتصور أن هذه الواقعة التى شهدتها المحكمة تحديداً يجب أن تفتح أعيننا، لتكون بمثابة جرس إنذار بأننا أمام مشكلة خطيرة، قد تكون قنبلة موقوتة، فى ضوء التطورات الحاصلة بالمجتمع الآن، من القبض والاعتقال واحتجاز ومحاكمة عشرات الآلاف من الأشخاص، يمثلون فى نهاية الأمر عشرات الآلاف من الأسر، دون التفكير أبداً فى معاناتهم، ولا فى مستقبلهم، وهو ما يحتم وجود نوع من الضمان الاجتماعى لمثل هذه الأُسر لصالح المجتمع ككل فى نهاية الأمر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية