«بعد بيعة الثقيفة وقف خليفة رسول الله، سيدنا أبوبكر يخاطب الناس قائلا: أما بعد، أيها الناس، فإنى قد وُليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى، وإن أسأت فقومونى».
الصّدّيق وضع قواعد للحكم سبق بها أكثر النظم الديمقراطية، طاعة الشعوب وعونهم مرهونان باستحسان أعمال الحاكم والتقويم لمن يسىء.
تطورت نظم الحكم، ونضجت الشعوب، وطالبت بالديمقراطية، ولكن الشواهد أثبتت أن معركة صناديق الاقتراع لعبة كبيرة قد يفوز فيها القادر على استلاب العقول وتغييب الوعى وشراء الذمم، وليس الأصلح.
الانتخابات فى زيمبابوى تسير شكليا مثل الانتخابات فى إنجلترا، ولكن الفرق كبير بعد الانتخابات. على سبيل المثال انتخاب رئيس أمريكى ديمقراطى أو جمهورى لا يؤثر فى التوجهات الأساسية لأمريكا، الرئيس يتم قولبته فى إطار صلاحياته الدستورية التى لايتجاوزها، أما فى أغلب دول العالم الثالث، فالرئيس لديه تفويض إلهى، فهو الدستور والقانون.
فى العالم المتقدم يدرك الرئيس أن سنوات عمره فى قصر الرئاسة محدودة، وهو مراقب من البرلمان وأيضا من المجتمع المدنى والإعلام، أما فى عوالمنا يوم الخروج من الحكم لا يأتى على البال والخاطر، والبرلمان غالبا لا يكون رقيبا، لكن مواليا للحاكم، والمجتمع المدنى مشغول بقضايا المنح والإعلام موجه بصورة مستفزة.
فى عالمنا، يختلط على الرؤساء الفرق بين ذاتهم ومنصبهم، فيظنون أن أى نقد لهم ينسحب على شخصهم فتكون غضبتهم فى غير حق، وللأسف وقع الرئيس السيسى ضحية لهذا الخلط، حين أبدى غضبه من خالد أبوبكر فى كلمته فى الندوة التثقيفية العشرين للقوات المسلحة.
السيسى خلع ثوب الرئاسة، حين عاتب إعلاميا، وأنذره بأنه سيشكوه إلى المصريين. مشهد لا بد من الوقوف عنده وتحليله. فهو يؤكد أن الرئيس يستمع لمن حوله، دون أن يستوثق من حقيقة ما يحدث، ويستشهد علنا بموقف لم يحدث أساسا، لكنهم (قالو له).
خالد أبوبكر لم ينتقد السيسى لأنه يجلس مع شركة سيمنز والإسكندرية تغرق. الحقوقى السابق والإعلامى الحالى كان يدافع عن الرئيس، وليس العكس، براءته لا تحتاج سوى مشاهدة الفيديو الذى تحدث فيه عن الموضوع، ولكن ماذا لو حدث ذلك مع شخص آخر؟ يقدم نصائح للرئيس من منطلق حبه وإخلاصه لبلده، ويتم نقل ما يقوله بصورة عكسية وإلى أى حد سيصل غضب الرئيس؟
لم أكن أتصور أن يقع السيسى فيما وقع فيه مبارك، وأن يرسم من حوله دائرة ضيقة مغلقة لا يثق بغيرها، كنت أتصور أن من جاء بعد ثورتين سيفتح قلبه وعقله ومكتبه لجميع طوائف الشعب المؤيد والمعارض له، وأن يتخلى عن الحذر المخابراتى فى تعامله مع معارضى اختياراته الخاصة برسم خريطة لمستقبل مصر فى كافة المجالات التى لا يعرف أسرارها سواه.
شعب مصر الذى لم يجد من يحنو عليه- حسب وصف الرئيس المتكرر- ضاق بعدم الشفافية وأسرار الدولة العميقة والفساد والظلم، وينتظر من رئيسه المحب أن ينشغل بإقامة دولة العدل والقانون قبل العاصمة الإدارية الجديدة أو مشروع المليون فدان.
واستشهد بمقولة رائعة للخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز، حين حاول أعوانه أن يثيروا غضبه على الناس فقالوا: يا أمير المؤمنين إن الناس قد تمردت وساءت أخلاقها، ولا يقوّمها إلا السوط، فأجاب: كذبتم، فإنه يقوّمها العدل والحق.
عزوف الناخبين عن الانتخاب مؤشر واضح لليأس الذى تغلغل فى النفوس، لن ينجح حاكم فى بناء وطن بغير مشاركة المواطنين.
محمد بدران وحزبه الصاعد بسرعة الصاروخ بمساندة رجال الأعمال وقوى خفية- ليس بديلا عن جموع شباب مصر.
الجيش مهما كان تنظيمه وكفاءة أدائه لا يمكن أن يكون بديلا عن باقى مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.
التعامل مع الجيش باعتباره حمال الهموم والمنقذ الوحيد فى كل الأزمات، من شفط مياه الأمطار بالإسكندرية إلى ضبط أسعار السلع الغذائية ورصف الطرق... إلخ- يسىء إلى صورته، وأيضا يغلق الطريق أمام المشاركة الشعبية الإيجابية فى تحمل هموم الوطن وبناء قواعده.
العدل والمساواة أمام القانون هما الطريق الوحيد لتكاتف المصريين الذى يطالب به دوما السيسى.
أسّسْ ديوانا للمظالم، يا ريس، قبل العاصمة الجديدة.. واسمع لقلب الوطن.. قلب الوطن موجوع!.